المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : *الشاعر السويدي هاري مارتينسون*


ماااريا
18-07-11, 10:47 PM
r]*الشاعر السويدي هاري مارتينسون*
من رحَّال في العالم الى رحَّال داخل االنفس


الشاعر السويدي الكبير هاري مارتينسون (1904 ـ 1978) من الحائزين على جائزة نوبل للآداب وذلك عام 1974 مناصفة مع الروائي السويدي أيفند جونسون* . ولد مارتينسون في مقاطعة بليكنغه لعائلة فقيرة عانت من شظف العيش . مات والده عام 1910 ، فهاجرت والدته إلى كاليفورنيا . أما هو وأشقاؤه فقد أدخلوا الأبرشـية لتتولى رعايتهم مثل أشباههم من الأطفال اليتامى والمشردين . وقد صور شاعرنا بصدق وأمانة طفولته القاسـية هذه في كتابيه البيوغرافيين (زهرة الشوك) 1935 و(الطريق الى الخارج) 1936 اللذين يختلفان عن نتاجه الشـعري الدافئ ذي النبرة العميقة المنشور في نفـس الفترة الزمنية.
عمل مارتينسون بعد نهاية الحرب العالمية الأولى في باخرة تجارية ، ثم في عدد من السـفن عاملاً في ايقاد النار بالمحركات ، وذلك بين عامي 1920-1927 ، فأصيب على أثرها بالسل مما اضطره الى ترك حياة البحر . بدأ بعدها بنشر قصائده في الصحف . وكانت أول مجموعة تصدر له ضمن أنطولوجيا (خمسة شبان) 1929 . كما أصدر في العام نفسـه مجموعته الأولى (سفينة الأشباح) .
نتاجاته الشعرية والنثرية حتى عام 1945 : مجموعاته الشعرية (سفينة الأشباح) 1929 (رحَّال )1931 (طبيعة) 1934 ، وكتبه النثرية (رحلات بلا هدف ) 1932 (وداعاً للبحر) 1933 (الفراشة والبعوضة) 1937 (وادي منتصف الليل) 1938 (السهل والصعب) 1939 ، وكتابا السيرة الذاتية روايتا (زهرة الشوك) 1935 (الطريق الى الخارج) 1936 ، يغلب عليها صور من طفولته ومعاناته وحياته في البحر ، صور خيالية سريعة مترابطة . وجد في مجموعته (رحَّال) أسلوبه المتميز من خلال رسـم فن لغوي خاص جديد ملئ بالخيال الجامح والصور المستلهمة من ماضيه ومن الطبيعة . يقول في قصيدة (مستمع) من نفس المجموعة :

كنت طفلاً أيام الاصغاء
بجوار الموقد كان الكبار يجلسون
يهزون في المهد معاصيهم المزعومة صوب
اليوم الأخير ، حيث
مخلص مصلوب سيطهرهم جميعاً .
توترت القطة ، اتقدت النار ، صرخ صمام التهوية ،
غنى أحدهم أغنية شاكية نابضة
عن الخادمة التي وطأت الرغيف .
تحدثت الأفواه الخالية من الأسنان في فصول الخريف المتأخرة
عن غلة الأرض السـبخة المجذومة
وزهرة الطحين الوافرة اللاذعة المرة .
لقد تجمدت أنا بجوار موقد طفولتي .

وفي قصيدة (بعيداً عن هنا) من كتابه (أشعار حديثة ) 1931 يقول :

بعيداً عن هذا المكان أود أن أرسـل حلماً
الى حيث يحلق السنونو عالياً
عسى أن ينضج القمح هناك
ومن خلال محيطات نبات الشيلم الزرق
تمر همسة خفيضة بطيئة عن الخبز
هنا عالم من الماء والحجر
يدي عارية عن الخبز وأنا أحسب خطوطها .

ومن (قصائد عن الخريف) من مجموعة (طبيعة) هذا المقطع :

في مساء ما انتصب صحو شتائي هناك وعبَّأ الأثيرُ
بحارَ الفضاء بكريستالات تزيد وتزيد .
النجمة المهجورة تشحذ نظرتها ،
وخنجر النجمة الفريدة رحل نازلاً في بحار السماء الغزيرة
وألقى رحاله ليسكن في كارلايولن .
لكن مركبة الجياد القديمة لم تنقلب على عقبيها ، كلا ،
إنها تدور فرحة فوق المزرعة الصغيرة والقلعة المستطيلة ،
تنعكس على البحيرات كأنها قد تجمدت ،
حين يعطي الصقيع أقل إشارة .

في عام 1945 ومع مجموعته (اعصار) يتطور فن مارتينسون ويتغير شكل حياته وفلسفته كرحال في العالم الى رحال داخل النفس بتأثير من الفلسفة الصينية ، ونلمس هذا التبدل والأثر أيضاً في روايته (الطريق الى الموعد) 1948 حيث يتبع فيها منهجه الجديد في الرحلة الى الباطن ، وكانت هذه الرواية من أحب كتبه الى نفسه .
يقول في قصيدة (بلدان مختلفة ) من مجموعة (إعصار) :

في المدن البدينة
كانت الدار كبيرة واسعة ومزدحمة جداً
مثل كتلة صفراء في حساء
ينبوع القمر .
في بلاد العوز
أتت النار على الكوخ ، مات الطفل
والجثة جمجمة في ينبوع
القمر ذاته .

و يقول في قصيدة (الإنسان في عاصفة الخداع السحري) من نفس المجموعة :

نسل البشرية مخلوق من السحر في غابة الخداع السحرية .
هل يكون هذا في أيام البكاء أم في سنوات الضحك ؟
استيقظت في زورقي ، فإذا برعد وانقلاب غاضب !
عثرتُ على نبات القصب والمغازل والمحار والموج .
الزورق محمول فوق الأمواج العاتية .
ترى ما الذي أفزعني حينها ؟!
أن تكون بشراً بين البشر أسوأ شئ في الوجود .
للكل نفس الطلبات ، وكل واحد يعرف الآخر جيداً .
هل كان هذا في أيام البكاء أم في سنوات الضحك ؟
تستطيع الغابة أن تجيب . لكننا نتلقى ذلك من خلال الصدى فحسب .
يستطيع البحر أن يجيب ، مع السفن التي بنيناها وأغرقناها .
منذ ذلك النهار حيث حصل الأنسان على سمعة مطرزة بالذهب ،
منذ ذلك النهار حيث الأمواج تكسرت وجنحت
مصطدمة ببعضها فوق رؤوسنا
سألنا متى أزبدت وتحولت إلى انقلاب غاضب .
هل كان هذا في أيام البكاء أم في سنوات الضحك ؟


في رحلته الفلسفية المتوغلة داخل الذات فوق أنوار الحكمة الصينية والتأمل العميق في المستبطن لا الظاهر والداخل لا الماحول ، يصطدم مارتينسون بالماحول ، ليصاب بالفزع ، الفزع من التطور التكنيكي الذي يغزو العالم فيبدأ بغرز نصاله في الداخل الإنساني ليسحق النفس والروح بعد الحياة البشرية ، الفزع الذي صوره قبله بصرياً سينمائياً الفنان العبقري (تشارلي تشابلن) في أفلامه الخالدة . وقد خط هذا الفزع أنامله في شعره من خلال مجموعته (سيكادا) 1953 ، و ليخيم على عرضه المسرحي الشعري (آنيارا) 1956 الذي تحول الى أوبرا غنائية عام 1959 .

يقول في قصيدة (منذ زمن بعيد) من مجموعة (سيكادا) :

منذ زمن بعيد وفي يوم صيفي من أيام الأحد
حين كان على العامل الزراعي أن يسقي
الأحصنة الضخمة الرمادية
جلس مستنداً إلى جذع
شجرة الزيزفون العالية في الحقل .
فجأة جاء إلى بوابته
حصان بأجنحة بيضاء .
أدرك العامل كنه ما رأى ،
إنها نهاية أيام الحياة .
حمل نفسه متثاقلاً باتجاه القلب ،
وأضحى كل شئ يوماً خالداً من أيام الأحد
هناك تحت شجرتي البتولا والزيزفون .
ألقى خده مرهقاً
فوق حقل الصيف الأخضر .


في الريح صفقت بوابة .

أصدر هاري مارتينسون (حقيقة حتى الموت) عام 1940 ، وهو كتاب ريبورتاج يدور حول عمله كمراسل متطوع في الحرب الفنلندية الشتوية ضد روسيا أثناء الحرب العالمية الثانية . كما يسجل فيه ما دار في مؤتمر الكتاب الذي عقد في موسكو عام 1934 .
صدرت له مجموعات شعرية اخرى (العشب في ثوله) 1958 ، (العربة) 1960 ، (قصائد عن النور والظلام) 1971 ، (حشائش نامية) 1973 ، كما أصدر مسرحية (ثلاث سكاكين من واي) 1964 . وصدرت له مجموعتان بعد وفاته (بعيداً يرتفع الصدى) 1978 ، (دوريدرنا) 1980 .



مختارات من شعره :




* “المهاجر” من مجموعة (قصائد عن النور والظلام) :

المهاجر الذي سقط إلى الخلف ميتاً
واضطجع ساكناً ثلاثة أيام
فوق السهل المنبسط بعيداً في الخارج .
زارته في اليوم الثالث عند المساء
ملاك الصقيع .
جهزت له سرير الموت للشتاء .
أسقطت ضاربة بأجنحتها المنطلقة
كتلة ثلجية من داخل الغيوم .
غمرته ، وطارت ملاك الصقيع بعيداً .
لقد حولت موته
إلى ما يطيقه الصقيع .
مع الربيع عادت ثانية فعلاً
تلك الأولى والكبرى من ملائكة الموت .
* “الأقفاص” من مجموعة (العربة) :

الأزمان أقفاص للآلهة
معلقة في أعلى الشجرة ذات الأوراق المتساقطة .
قلب الأنسان يغرد في قفصه
مثل طائر القفص والزمن .
مرة سار إلهٌّ خلال هذه الأيكة
مصحوباً بإلهة حسناء .
كان الأثنان قد تجاوزا عمريهما
حيين خالدين .
تساقط روحاهما مثل الندى
كان مصباحهما شمساً .
علَّقا أقفاصاً صغاراً هنا في الشجرة .
وبعدها واصلا مسيرهما .
الأسطورة تنشد فيهما مديحاً .
كل شئ يفتقدهما .
إن الشوق الذي تنفساه عميقاً في روحيهما
لن تنساه الأنهار أبداً .



* “عجلة الطاحونة” من مجموعة (حشائش نامية) :
عجلة الطاحونة التي تفسخت منذ زمن بعيد
تدور بصحة جيدة في الأحلام .
ترى الذاكرة عجلة طاحونتها
مرتدية أقنعة الماء .
قوارير الأفعى تهتز وتحرك نفسها
بصحة جيدة حول سواقي منحدر ماء الطاحونة .
حين أغتيلت ذاكرتنا في البداية
توقفت طواحينها عن الطحن .
بعدها تبقى الصخور فقط في الذاكرة
أطول عمراً من الغراب الأسود والحوت .
كيف من هذا الماء المتدفق السريع
تعلمت صخور الطاحونة أن تنطق ؟!


.
* ايفند جونسون 1900 ـ 1976: روائي سويدي ولد لعائلة بورجوازية ، تأثر بالماركسية والفطرية وفرويد . في مؤلفاته نقد شديد للبرجوازية والرأسمالية .


وهو شاعر تأثر جدا بالطبيعة .

[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN] [/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

سالم
20-07-11, 05:25 PM
ماريا

ابحرت مع هذا الفيلسوف في عباب الحياة فكم نال اعجابي شخصية هذا

الفليسوف الذي اختصر الكثير في مشواره بكلمات عانقت الجمال .

دامت انفاسك ولاحرمنا الله طرحك المنعش والمفيد لثاقفتنا ..

ماااريا
20-07-11, 09:41 PM
ماريا

ابحرت مع هذا الفيلسوف في عباب الحياة فكم نال اعجابي شخصية هذا

الفليسوف الذي اختصر الكثير في مشواره بكلمات عانقت الجمال .

دامت انفاسك ولاحرمنا الله طرحك المنعش والمفيد لثاقفتنا ..


عزيزي الفاضل قطرة أدب

لا يكتمل جمال متصفحي الا بحضورك الجميل

والاروع ان الموضوع ساهم لو بجزء بسيط بتسليط الضوء على حياة هذا الشاعر

الذي تعلق بكل كتاباته بالطبيعة وتأثر بها بشكل كبير

دمت بكل الخير

كل التحايا لروحك