المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لغز الموت لمصطفى محمود


طلال
02-11-13, 01:37 PM
السلام عليكم


أحببت أن اضع بين أيديكم


بعض ما جاء في كتاب لعز الموت لمصطفى محمود
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~




اللغز

كل منا يحمل جثته على كتفيه..


ليس هناك أغرب من الموت..


إنه حادث غريب..

أن يصبح الشيء .. لا شيء..


ثياب الحداد .. و السرادق ..

و الموسيقى .. و المباخر .. و الفراشون


بملابسهم المسرحية : و نحن كأننا نتفرج على رواية ..


و لا نصدق و لا أحد


يبدو عليه أنه يصدق..

حتى المشيعين


الذين يسيرون خلف الميت


لا يفكرون إلا في المشوار.


و أولاد الميت لا يفكرون إلا في الميراث.



و الحانوتية لا يفكرون


إلا في حسابهم.



و المقرئون لا يفكرون


إلا في أجورهم..



و كل واحد

يبدو أنه قلق على وقته أو صحته أو فلوسه..



و كل واحد يتعجل شيئاً يخشى أن يفوته


شيئاً ليس الموت أبداً.


إن عملية القلق على الموت


بالرغم من كل هذا المسرح التأثيري


هي مجرد قلق


على الحياة..


لا أحد يبدو أنه يصدق أو يعبأ بالموت


حتى الذي يحمل النعش على أكتافه.


الخشبة تغوص في لحم أكتافه ..



و عقله سارح في اللحظة المقبلة و كيف يعيشها..


الموت لا يعني أحداً ..


و إنما الحياة هي التي تعني الكل.

طلال
02-11-13, 03:28 PM
الزمن

إن دقات ساعة الحائط تقدم لك زمناً


مزيفاً..ابحث عن زمنك الحقيقي

في دقات قلبك ..


و نبض إحساسك..



كل شيء في الدنيا يجري و يلهث..



الشمس تشرق و تغرب..



و النجوم تدور في أفلاكها..



و الأرض تدور حول نفسها..



و الرياح تهب في الجهات الأربع..



و السيول تنهمر من أعلى الجبال..



و الينابيع تتفجر من باطن الأرض..


و النبات و الحيوان و الإنسان


تعيش كلها في حركة دائبة..



و ذرات الجماد


تهرول في مداراتــها


و ظاهرات الطبيعة كلها عبارة عن حركة


الكهرباء حركة


و الصوت حركة


و الضوء حركة ..


والحرارة حركة ..


و الكون كله يتمدد


مثل فقاعة من الصابون


و ينفجر في كل قطر من الفضاء..


المادة في حالة انتشار وذبذبة وحركة


ولهذا يقول اينشتين أن لها بعدا رابع


ا غير الأبعاد الثلاثة المعروفة



أو الزمن الملتصق بالمكان ويسميه الزمكان.



المادة مثل حيوان له طول و عرض و سمك و عمر ..



و العمر يدخل في تركيبها ..



كما يدخل في تركيب الحيوان ..


الزمن إحدى الفتلات التي يتألف منها نسيج المادة..



و هو أيضاً إحدى الفتلات التي يتألف منها نسيج الكائن الحي.

طلال
03-11-13, 05:49 PM
الحب


الشهوة تكشف لك عن نوعك عن



ذكورتك ..



و الحب يكشف لك عن نفسك




عن ذاتك



و الملل من الاثنين




هو الإشعار الخفي الذي يأخذ بيدك




إلى محبوبك الحقيقي




أحبك..




كلمة..... لذيذة....... تصيبنا




بالخدر و الدوار





كل شيء فينا يذوب




و يتفتت




حتى اللغة نفسها تذوب




و الزمن يذوب




و المكان يذوب




و العقل يذوب





والقلب يذوب .. و نحن ننطقها





اللغة تتعطل في لحظة الحب




و يحل محلها سكوت ناطق معبر



و الزمان



و المكان




يتلاشيان في غيبوبة




صاحية تكف فيها اللحظات




عن التداعي



و تنصهر في إحساس عميق




بالنشوة و النصر و الفرح..





قد تكون هذه النشوة لحظة واحدة





و لكن هذه اللحظة تصبح كالأبد..

طلال
05-11-13, 12:51 PM
أنا

أنا من الخارج لي حدود لي سقف



ينتهي عنده جسدي



و لكني من الداخل بلا سقف و لا قاع



أنا




كلمة ظريفة



لا يوجد أظرف


منها في الدنيا


إنها أغنية



إنها تدخل في أي جملة



فتجعلها جملة مفيدة مهمة



و تدخل في أي موضوع



فتجعله موضوع الساعة




لأنه أصبح موضوعي أنا



و فلوسي أنا





و حبيبي أنا .. و روحي أنا





و روحي أنا .. و قلبي أنا ؟

و


لكن أنا .. ؟ .. من أنا .. ؟





هل حاول أحدكم أن يسأل نفسه هذا السؤال..





من أنا ؟..





وهنا يبدأ اللغز





ما هي حقيقتي ؟..






إني أحاول أن أمسك بوجودي وأكتشفه







و أفحصه كما أفحص هذه المحبرة






فأجد أنه لا وجود بلا قاع






وجود مفتوح من الداخل على إمكانيات لا نهاية لها







و ألقي بحصاة في هذا البئر الداخلي فلا أسمع







لها صوتاً .. لأنها تهوي وتهوي إلى أعماق بلا آخر..






أنا من الخارج لي حدود .. ينتهي طولي عند 170 سنتيمتر..





لي سقف ينتهي جسدي عنده







و لكني من الداخل بلا سقف و بلا قعر






و إنما أعماق تؤدي إلى أعماق





و أفكار و صور و أحاسيس و رغبات






لا تنتهي أبداً إلا لتبدأ من جديد






كأنها متصلة بينبوع لا نهائي






و هي أعماق في تغير دائم و تبدل دائم





بعضها يطفو على السطح






فيكون شخصيتي و بعضها ينتظر دوره في الظلام..






و أنا في الخارج أتبدل أيضاً






الواقع يكشط هذه القشرة التي تطفو خارجي






فتطفو قشرة أخرى من عقلي الباطن محلها






و كلما أمسكت بحالة من حالاتي و قلت هذا هو أنا







ما تلبث هذه الحالة أن تفلت من أصابعي و تحل






محلها حالة أخرى .. هي أنا .. أيضاً..





شيء محير..!!

الــمُــنـــى
05-11-13, 08:28 PM
/
\

يقول الإمام الغزالي رحمة الله عليه :
( إن الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الأستبصار ومصيدة المعارف والفهوم )
وكل ما ورد حتى الآن من فلسفة حول مفهوم كل من :
( اللغز - الحب - الزمن - أنا ) ما هو تعميق للمقولة السابقة وهذه حكمة
وفلسفة لا يؤتيها الله إلا لكل صاحب بصيرة ..
ورغم أنها فلسفة بسيطة في طريقة صياغتها أدبيا إلا أنها عميقة بل وجدا
وهذا ليس بغريب على كاتب بوزن " مصطفى محمود "


القدير / طلال
راق لي كثيرا ما قرأت هنا
زادكم الله بصيرة في العلم والنور
بأنتظار البقية الباقية من هذا الوهج
منى

طلال
06-11-13, 09:17 PM
رَحِمَهُما الله جمعياً


التبصرُ أعلى مراحل الوعي عند الإنسان

وقد حث المولى عزوجل على التفكر والتدبر

وهذا الطريق يدلنا على الخالق القادر المقتدر

القوي العزيز العليم الواحد الأحد

كاشفاً لنا مدى عجزنا وضعفنا


الوارفــه

بهاء الحضور لا يكفيه ثنائيَ المبتور

عصبَ الله الخير في أيامكِ

طبتِ ودمتِ

طلال
06-11-13, 09:29 PM
النوم

أنت حينما تنام .. تتحول إلى شجرة


هناك زر كهربائي في المخ ينطفئ في لحظة النوم


فيسود الظلام و تسود الغيبوبة .. و تمر الشخصية بحالة


غرق و يتحول الإنسان إلى شجرة .. إلى نبات بدائي


إلى شيء تستمر فيه الحياة على شكل وظائف


دورة الدم تجري .. النفس يتردد .. الخلايا تفرز


الأمعاء تهضم كل هذا يتم بطريقة تلقائية والجسد ممدد


بلا حراك


تماماً مثل نبات مغروس في الأرض تجري فيه العصارة


و تنمو الخلايا و تتنفس من أكسوجين الجو .



إنها لحظة غريبة يسقط فيها الجسد في هوة التعب و العجز .



إن سر الموت يكمن في لغز النوم


لأن النوم هو نصف الطريق إلى الموت


نصف الإنسان الراقي يموت أثناء النوم


شخصيته تموت .. عقله يموت



يتنفس و ينمو بلا وعي .. و كأنه فقد الروح .



إنه يقطع نصف الطريق إلى التراب



و يعود مليون سنة إلى الخلف



يعود عقله الواعي إلى ينبوعه الباطن




و تعود شخصيته الواعية إلى ينبوعها الطبيعي الذي يعمل في غيبوبة



كما تعمل العصارة في لحاء الشجر



و يلتقي الإنسان بخاماته الطبيعية



بجسده و ترابه و مادته و الجزء



اللاوعي من وجوده





إن الشعراء يقولون أن لحظات النهار سطحية




لأن ألوان النهار البراقة تخطف الانتباه



و لحظات الليل عميقة لأن الليل يهتك هذا الستار البراق



و يفك أغلال الانتباه فيغوص في أعماق الأشياء




و أنا أقول أن لحظة النعاس هي أعمق اللحظات




لأنها تهتك ستاراً آخر و هو ستار الألفة .





و هذه اللحظة لحظة عميقة



لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه



و يتحرر من الألفة و التعود



و الأحكام العادية و ينظر حوله من جديد



ليصدر أحكاماً جديدة أكثر تحرراً .. و إلهاماً




والنوم أرخص أنواع الحياة من حيث الكلفة



فمقدار السكر والأكسوجين الذي يحتاجه النائم ليستمر في



الحياة أقل بكثير من المقدار الذي يحتاجه في اليقظة.



والإنسان الذي يعيش مائة سنة بين نوم ويقظة



يستطيع أن يعيش ثلاثمائة سنة إذا عمل على حسابه أن ينامها كلها.




ومادة النوم رخيصة لأن الإنسان يقترب فيه من التراب




ويعود إلى الآلية الكيميائية المتأصلة في خلاياه من بداية الحياة

رقيق الاحساس
15-11-13, 08:56 PM
ارفع لك قبعتي سيدي طلال
اختيار مميز
ولا اروع مصطفى لطفي المنفلوطي
عمود من اعمدة ارتكاز الادب العربي
شكرا لهذه المساحة الرائعة
ارجو ان تكون كلمة (رائع) تفي بالغرض

طلال
16-11-13, 11:52 PM
إعتمرك الحبور
شكراً كبيره
رقيق الاحساس
دُمت بنعم المولى

همسة
( صاحب الكتاب هنا لغز الموت الدكتور مصطفى كمال محمود)

طلال
17-11-13, 12:00 AM
التراب

إن ذرة التراب ليست شيئاً تافهاً


إن فيها حركة و فيها نبض


هل المادة شيء جامد فعلاً ؟!


هل هي كتلة من السكون و الهمود و الموت عديمة النشاط و الفاعلية


لا


إن هذه كذبة و كلمة جماد نفسها أكبر كذبة


إن الجماد في حقيقته غير جامد و لا حتى سائل


إنه مخلخل من داخله و مؤلف من منظومات هائلة


من الذرات و الجزيئات تسبح في فراغ أثيري


و الجزيء هو معمار من الذرات و الذرات نفسها معمار جميل


من جسيمات صغيرة نووية تدور حولها كهارب



غاية في الصغر منتظمة في أفلاك


والذرات والجزيئات مترابطة مع بعضها بقوانين من الجذب والتنافر

يتبع

اللميـــاء
17-11-13, 11:48 AM
السلام عليكم

طرح رائع لبعض مما جاء به الرائع الرحل الدكتور مصطفى محمود في هذا الكتاب

كتاب لا يمل القارئ منه ، من أكثر الكتب التي أعود إليها بين الحين و الآخر و كل مرة أشعر و كأني أقرأ فيه شئ جديد لم أنتبه له من قبل

لكن دوماً ما أتوقف كثيرا عند :


الموت يسترق الخطى كاللص تحت جنح الليل .. و يمشي على رؤوسنا فتبيض له شعراتنا شعرة شعرة دون أن نحس ، لأن دبيبه و هو يمشي هو دبيب الحياة نفسها


الأستاذ / طلال

شكراً لتلك المساحة


مودتي

اللميـــاء!

طلال
17-11-13, 03:09 PM
و عليكم السلام ورحمه الله وبركاته

ما إنفك الموت يعالج أجسادنا ببط حتى ينزع تلك الروح من سجنها بأجل معلوم عند الله

قال تعالى

{والله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ الله

عَلِيمٌ قَدِيرٌ} {النحل}

ومن لم يجتاوزه حينها يهلك غضا طريا

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ

ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} {آل عمران}

من هنا لا بد لنا من الإعتبار والمسارعه لفعل الخيرات للننال حُسن الختام بتوفيق من الله ورحمه

فسبحان الحي الذي لا يموت


اللميــاء

أهلاً بالهطول الندي الذي أسعدني

دامت أنُعم الرحمن بك

طلال
03-12-13, 08:43 PM
الخيـط


القشة في البحر يحركها التيار


والغصن على الشجرة تحركه الريح


والإنسان وحده .. هو الذي تحركه إرادته


أجمل ما في الدنيا أنها واضحة تغمرها الشمس


كل شيء فيها يمكنك أن تراه و تسمعه و تزنه


وتقيسه و تتذوقه و تحلله و تستنتجه..


كل ما يحدث فيها له سبب .. و إذا عرفت سببه استطعت إحداثه


كل شيء يجري بنظام محكم من الأسباب و النتائج


وإذا كان لديك ورقة و قلم فإنك تستطيع أن تحسب بالضبط


متى تشرق الشمس


و متى تغرب.. لأنها تتحرك حسب قانون..


و كل شيء في الدنيا يتحرك حسب قانون..


إلا الإنسان ..فإنه يشعر أنه يمشي على كيفه


الإنسان وحده هو الحر المتمرد الثائر على طبيعته


وظروفه ولهذا يصطدم بالعالم ويصارعه


ويستحيل في أية لحظة أن تتنبأ بمصيره..


ولكن هذه الحرية البكر الطليقة في الداخل ما تلبث أن تصطدم بالعالم


حينما تحتك به لأول مرة في لحظة الفعل.


إن رغبتنا تظل حرة طالما هي في الضمير و النية


نستطيع أن نرغب أي رغبة ونحلم أي حلم ونتمنى أي أمنية


ولكن المأساة تبدأ في لحظة التنفيذ


حينما تحاول رغباتنا أن تحقق نفسها في الواقع


فتصطدم بالقيود وأول قيد نصطدم به هو الجسد


جسدنا نفسه الذي يحيط بنا مثل الجاكتة الجبس


ويحاصرنا بالضرورات والحاجات ويطالبنا


بالطعام والشراب ليعيش و يستمر و لا نجد مهرباً من تلبية هذه المطالب


فنجري خلف اللقمة ونلهث خلف الوظيفة


ونضيع في صراع التكسب ونفقد بعض حريتنا


وليس أمامنا وليس أمامنا حلٌّ غير هذا


فرغباتنا لا تستطيع أن تعلن عن نفسها بدون جسد


وجسدنا هو أداة حريتنا ..إن كان يقيد هذه الحرية في نفس الوقت..

طلال
03-12-13, 08:58 PM
إن الإنسان يعيش مضطرباً بين عاملين


عالم رغباته و نزواته و كلها حرة طائشة بلا حدود


وعالم المادة حوله و هي جامدة محدودة مغلولة في القوانين


و سبيله الوحيدة هي معرفة هذه القوانين.


حريته لا تستطيع أن تشق طريقها بدون العلم


إنها بدون العلم تكون مجرد رغبة مجنونة في داخله



مجرد نية و حلم و أمل سجين


مجرد حرية وجودية تصلح مادة لقصة أو قصيدة


أو أغنية أو تمثال أو مغامرة أو جريمة قتل


ولكنها لا تصلح لكسب حقيقي واقعي.



إن الفرق بين العبودية و الحرية هو خيط رفيع .


خيط رفيع يرقص عليه الإنسان .. و يتأرجح.


إذا سقط في داخل نفسه ضاع في أحلام اليقظة و الرؤيا و الأماني.


وإذا سقط في العالم ضاع في دوامة الزمن الآلي


وجرفه الروتين و العرف و التقاليد .. و ابتلعه


المجتمع في جوفه.


وإذا فتح عينيه و نظر إلى العالم حوله


فإنه يستطيع النجاة بحريته , و يستطيع أن يقفز على الحبل


خطوات واسعة إلى الأمام..