قطرات أدبية

قطرات أدبية (https://qtrat.com/vb/index.php)
-   قــطــرات الـقـصـة والروايــة (https://qtrat.com/vb/forumdisplay.php?f=19)
-   -   كيف نكتب قصة قصيرة ؟ - عناصر القصة القصيرة الناجحة - ورشة عمل (https://qtrat.com/vb/showthread.php?t=4002)

ايوب صابر 07-01-17 07:34 AM

كيف نكتب قصة قصيرة ؟ - عناصر القصة القصيرة الناجحة - ورشة عمل
 
فن كتابة القصة القصيرة وعناصر نجاحها

هناك مجموعة من العناصر الواجب توفرها في القصة القصيرة حتى تكون قصة ناجحة كنمط فني متعارف عليه...
فيما يلي سنتحدث عن هذه العناصر تباعا لعل حديثنا والنقاش والحوار الذي سيدور هنا حول فن كتابة القصة القصيرة يساهم في صقل قدرات من يقف في بداية الطريق ويمنح من لم يجرب الكتابة السردية لكنه يعشق الكتابة فرصة لامتلاك ادوات السرد الجميل ومن ثم يشارك في مسابقة القصة القصيرة التي أعلنا عنها هنا ...


هلموا يا هواة السرد الى ورشة العمل التجريبية هذه لنتعلم سويا فن السرد الجميل ...

*

ايوب صابر 07-01-17 10:36 AM

ما هي القصة القصيرة ؟

هناك عدة تعريفات للقصة كل واحد فيها يمكن ان يركز على احد محاور البناء للقصة لكن في النهاية سنجد ان كل التعريفات تتفق على مجموعة محددة من العناصر التي يجب توفرها في البناء القصصي.

احد هذه التعريفات حسب ورشة عمل في النادي الادبي لجريدة الرياض يقول :
القصة القصيرة...*تجربة إنسانية يُعبر عنها القاص بأسلوب النثر سردا أو حوارا من خلال تصوير شخصية* أو شخصيات يتحركون في إطار اجتماعي ينسجها بخيوط الإبداع.
وهي عبارة عن بناء معماري بدءا من العنوان الذي يُعد*العتبة الأولى للنص، والنواة المتحركة القابلة للتحليل دلاليا بحسب صياغته سواء كمفردة أو جملة اسمية أو فعلية.

وكذلك الحبكة وهي مجموعة الحوادث التي تُكسب القصة فنيتها وجمالياتها، وتمنحها التماسك والبناء المنسق والمشوق وهي على نوعين حبكة متماسكة وأخرى مفككة.

فضلا عن عنصري المكان والزمان إذ لا يمكن أن تسبح القصة في الفراغ بل يؤطرها المكان والزمان، فهما ركيزتان أساسيتان في الخطاب السردي، إلى جانب اللغة إذ لا يمكن أن يتولد الحس بدون لغة.

ايوب صابر 07-01-17 11:10 AM

تعريف اخر للقصة :

سرد واقعي أو خيالي لأفعال قد يكون نثرًا أو شعرًا يقصد به إثارة الاهتمام والإمتاع أو تثقيف السامعين أو القراء.

وتعريف ثالث... القصة القصيرة :سرد قصصي، قصير نسبيًا ، يهدف إلى إحداث تأثير مفرد مهيمن ، ويمتلك عناصر الدراما.

كما تعرف على انها :

حديث يدور عن أفعال معيّنة بالإضافة إلى أقوال؛ بحيث تكون مرتّبة ترتيباً نسبيّاً، وتكون القصّة القصيرة في حكايتها تدور حول موضوع عام، وتصوّر شخصيّة معيّنة بالإضافة إلى أنّها تكشف أيضاً صراعها؛ أي صراع شخصيّة ما مع شخصيّات أخرى

ايوب صابر 07-01-17 11:20 AM

اما تعريف وكيبيديا للقصة فيقول :

القصة القصيرة أو الأقصوصة هي نوع أدبي عبارة عن سرد حكائي نثري أقصر من الرواية، وتهدف إلى تقديم حدث وحيد غالبا ضمن مدة زمنية قصيرة ومكان محدود غالبا لتعبر عن موقف أو جانب من جوانب الحياة.

لا بد لسرد الحدث في القصة القصيرة ان يكون متحدا ومنسجما دون تشتيت.

وغالبا ما تكون وحيدة الشخصية أو عدة شخصيات متقاربة يجمعها مكان واحد وزمان واحد على خلفية الحدث والوضع المراد الحديث عنه. الدراما في القصة القصيرة تكون غالبا قوية وكثير من القصص القصيرة تمتلك حسا كبيرا من السخرية أو دفقات مشاعرية قوية لكي تمتلك التأثير وتعوض عن حبكة الأحداث في الرواية.

ايوب صابر 07-01-17 11:27 AM

الدكتورة سوسن رجب تعرف القصة على انها :
*
عمل أدبي، يصور حادثة من حوادث الحياة أو عدة حوادث مترابطة، يتعمق القاص في تقصيها والنظر إليها من جوانب متعددة ليكسبها قيمة إنسانية خاصة مع الارتباط بزمانها ومكانها وتسلسل الفكرة فيها، وعرض ما يتخللها من صراع مادي أو نفسي، وما يكتنفها من مصاعب وعقبات، على أن يكون ذلك بطريقة مشوقة تنتهي إلى غاية معينة، ويعرفها بعض النقاد بأنها:

حكاية مصطنعة، مكتوبة نثرا، تستهدف استثارة الاهتمام سواء أكان* ذلك بتطور حوادثها، أو بتصويرها للعادات والأخلاق، أو بغرابة أحداثها.

اما القصة القصيرة عند الدكتوره فهي : * تمثل حدثا واحدا، في وقت واحد وزمان واحد، يكون أقل من ساعة.

ايوب صابر 07-01-17 11:33 AM

وتعريف اخر : هي فن أدبي نثري يكتفي بتصوير جانب من جوانب الحياة لفرد ، أو يصور موقفاً واحداً من المواقف تصويراً مكثفاً يساير روح العصر من سرعة وتركيز. و

تُعد القصة القصيرة أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر ؛ لأنها انتقلت بمهمة القصة الطويلة (الرواية) من التعميم إلى التخصيص ، فلم تعد تتناول حياة جماعة بأكملها ، أو شخصية كاملة ، وإنما مسايرة لروح العصر عصر العلم والسرعة ، فاكتفت بتصوير جانب واحد من جوانب حياة الفرد أو موقف واحد ، أو فكرة واحدة تصويراً مكثفاً.

ايوب صابر 07-01-17 11:41 AM

اما مايا من موقع شكو ماكو فيبدو انها اجرت بحثا مطولا حول السرد الادبي خصوصا القصة وهي تضع خلاصة ما قراته على هذا الشكل :


ماهي القصة القصيـــــرة ؟؟؟

ربما لا يوجد تعريف واضح ومحدد لذلك الفن المراوغ شديد التعقيد، شديد الجمال في آن واحد، ألا وهو القصة القصيرة...

وإذا كان القص في اللغة العربية يعني تتبع الأثر، فإن القصة القصيرة تعني أيمًا اعتناء بتتبع أثر لحظات إنسانية حياتية شديدة الأهمية منتقاة من صميم الذات وتفاعلها مع كل ما هو محيط بها.

والقص في جوهره وجهة نظر ذاتية وموقف من الحياة، والقص كظاهرة إنسانية نشاط ينشأ بالضرورة ويتطور منذ طفولة الإنسان، وهي كظاهرة قد وجدت منذ وجدت المجتمعات الإنسانية المبكرة لتلبي حاجات نفسية واجتماعية، ورغم اختلاف الكتاب والنقاد حول وضع تعريف ما للقصة القصيرة فإنهم تلاقوا على أنها "نص أدبي نثري تناول بالسرد حدثًا وقع أو يمكن أن يقع"، أو هي "حكاية خيالية لها معنى، ممتعة بحيث تجذب انتباه القارئ، وعميقة بحيث تعبر عن الطبيعة البشرية".

لكن طبيعة القصة القصيرة أنها مثل الفن عمومًا، لا تخضع للتعريفات الشاملة المستقرة، حيث إنها ليست مجرد قصة تقع في صفحات قلائل، بل هي لون من ألوان الأدب الحديث الذي نشأ أواخر القرن التاسع عشر -بماهيته المتعارف عليها الآن، دون الالتفات للتجارب البدائية سواء عربيًّا أو غربيًّا- وهذا اللون له خصائص ومميزات شكلية معينة، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، قال "موباسان": "إن هناك لحظات عابرة منفصلة في الحياة، لا يصلح لها إلا القصة القصيرة لأنها عندما تصور حدثًا معينًا لا يهتم الكاتب بما قبله أو بما بعده"، وربما كان هذا هو أهم اكتشاف أدبي في العصر الحديث؛ لأنه يلائم روح هذا العصر، حيث إنه الوسيلة الطبيعية للتعبير عن الواقعية التي لا تهتم بشيء أكثر من اهتمامها باستكشاف الحقائق من الأمور الصغيرة العادية والمألوفة.

والقصة القصيرة تروي خبرًا، وليس كل خبر قصة قصيرة ما لم تتوافر فيه خصائص معينة.. أولها أن يكون له أثر ومعنى كلي، أي تتصل تفاصيله وأجزاؤه بعضها ببعض، بحيث يكون لمجموعها أثرًا، كما يجب أن يكون للخبر بداية ووسط ونهاية، حتى يكون هناك ما يسمى بالحدث.

ولقد افترض الكاتب الأمريكي إدجار ألان بو محددا للقصة القصيرة عندما قال: "إنها عمل روائي يستدعي لقراءته المتأنية نصف ساعة أو ساعتين"، وربما كان ما يسعى لتعريفه هو "أنها يجب أن تقرأ في جلسة واحدة".

لكن يبدو التعريف الأشمل هو الذي يطرحه د. الطاهر مكي – الناقد الأدبي هو أنها: حكاية أدبية – قصيرة، وبسيطة الخطة- تحكي حدثًا محددًا طبقًا لنظرة رمزية -الشخوص فيها غير نامية- تُوجِز في لحظات أحداثًا جسامًا معتمدة على مبدأ التكثيف فكرًا ولغة وشعورًا مما يمكنها من النجاح في نقل دفعة شعورية فائرة.

وعرفها "كالدويل" و"تشيخوف" و"كاترين آن" وغيرهم تعريفاتٍ أخرى متأنية ومتضادة، وبهذا يتضح أن هناك اختلافًا شديدًا في الوقوف على تعريف للقصة القصيرة، وربما تكون هذه هي طبيعية الفن عمومًا، حيث يسلبه التعريف القسري المقياسي روعته وبهائه.

لكن يمكننا أن نخلص إلى أن القصة القصيرة كانت ولا تزال أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر لأنها انتقلت بمهمة القص الطويلة من التعميم إلى التخصيص، فلم تعد تتناول حياة بأكملها، أو شخصية كاملة بكل ما يحيط بها من حوادث وظروف وملابسات، وإنما اكتفت بتصوير جانب واحد من جوانب حياة الفرد أو زاوية واحدة من زواياه، ورصد خلجة واحدة من خلجاته، أو ربما نزعة صغيرة وتصويرها تصويرًا مكثفًا خاطفًا يعجز العقل الإنساني أحيانًا عن متابعتها، وبهذا يتضح أن القصة القصيرة سيسلب منها الكثير إذا وضع لها تعريف ثابت ومؤطر، حيث إنها تستفيد من كل الأجناس الأدبية وتتفاعل معها، ويبقى شيء هام.. هو أن القاص المبدع –الجاد- هو وحده القادر على شكل وصياغة هذه القيمة الإبداعية الهامة ليعيد بلورة واكتشاف مناطق هامة ربما تكون مهملة في ذواتنا وفي حياتنا الآنية.

ومن المفيد أن نختم بسماع صدى قراءة القصة القصيرة لدى الأدباء والمبدعين والكتاب فأحدهم قال عن شعوره إثر قراءة قصة جيدة: "كأنك تشرب كأس قهوة سوداء مركزة دفعة واحدة وأنت على عجل من أمرك لتترك مفعولها يفعل الأفاعيل في دواخلك الداكنة كذلك هي قراءة قصة قصيرة جيدة".

ايوب صابر 07-01-17 11:50 AM

اما محمد صالح من موقع يوم جديد فيقول عن فن القصة القصيرة وقد استوحى معلوماته من عدة مصادر :
يقول
القِصَّة في اللغة هي الخبر، وهُوَ القَصَص، وقصَّ عليَّ خبره يقُصُّه قصَّاً وقَصَصاً: أورده، والقَصَص: الخبر المقصوص...، والقِصص: جمع القصة التي تكتب".

أما القصة "اصطلاحاً":
فتعرَّف بأنها "عمل فني يمنح الشعور بالمتعة والبهجة، كما يتميز بالقدرة على جذب الانتباه والتشويق، وإثارة الخيال، وقد تتضمن غرضاً أخلاقياً، أو لغوياً، أو ترويحيًا، وقد تشمل هذه الأغراض كلها أو بعضها".

قالوا عن القصة:

يقول عميد الأدب العربي طه حسين :
"هي كل فن قولي درامي، يتضمن أحداثًا تكشف عن صراع تحمله شخصيات، هي تحقق للمتلقي- في النهاية- متعة جمالية وانفعالية، كما تحقق له متعة مباشرة، من خلال ما تتضمنه من تجارب حياتية ذات هدف أخلاقي أو عقائدي يأتي تلميحاً، وتصويراً لا تقريراً، من خلال نسيج العمل ".

كما يقول الأديب وأحد رواد القصة القصيرة يوسف إدريس:
القصة القصيرة مثل الرصاصة تنطلق نحو هدفها مباشرة.

ويقول الأديب والعالم الفيزيائي الدكتور أحمد زكي:
«ليس ألذ في أحاديث الناس من قصة، وليس أمتع فيما يقرأ الناس من قصة، والعقول قد تخمد من تعب، ويكاد يغلبها النوم، حتى إذا قلت قصة ذهب النوم، واستيقظت العقول، وأرهفت الآذان... ".

كما عرَّف النقاد القصة بأنها
"مجموعة من الأحداث يرويها الكاتب، وهي تتناول حادثة واحدة، أو حوادث عدة تتعلق بشخصيات إنسانية تتباين أساليب عيشها، وتصرفها في الحياة، على غرار ما تتباين حياة الناس على وجه الأرض، ويكون نصيبها في القصة متفاوتاً من حيث التأثر والتأثير".

ايوب صابر 07-01-17 05:58 PM

اما مربين سنغر من مجلة Alan فتعرف القصة بما يلي :


A short story is, in some ways, like a photograph- a captured moment of time that is crystalline, though sometimes mysterious, arresting, though perhaps delicate. But while a photo may or may not suggest consequences, a short story always does. In the story's moment of time something important, something irrevocable has occurred. The change may be subtle or obvious, but it is definite and definitive.
القصة القصيرة اشبه بالصورة من بعض النواحي. وتمثل تسجيل لحظة جلية من الزمن رغم انها في احيان اخرى تسجل لحظة غامضة أيضاً لكنها دقيقة وتلفت الانتباه .
وبنما توحي الصورة بتبعات معينة احيانا واحيانا اخرى لا توحي لكن القصة القصيرة دائماً توحي بتبعات. في لحظة القصة القصيرة يكون قد وقع حدث ما ، حدث لا يمكن التراجع عنه . وينتج عن تلك اللحظة تغير واضح وحاد .


In addition, while it is the audience that supplies the back story for a photo, it is the writer who must give the audience a beginning, middle, and end of a short story. Without that structure, the piece is not a short story at all but a scene, a vignette, a fragment-evocative, yes, but not emotionally or psychologically satisfying.
وبينما يقوم المشاهد بإعطاء الصورة ما يرتبط بها من خلفية ومعنى في فن القصة يقوم القاص بإعطاء جمهور المتلقين بالبداية والوسط والنهاية للقصة القصيرة . ومن دون هذا التركيب لا يكون النص قصة قصيرة أبدا ولكن صحيح انه يمكن ان يعتبر مشهد او مقطوعة لكنه لا يحدث ذلك الرضا النفسي او العاطفي .
Marilyn Singer, "The Magic Bow" (Stay True)
"Fabulous Shoes" ( I Believe in Water )




ايوب صابر 08-01-17 01:47 AM

تعريفنا للقصة القصيرة الذي سنعتبره مرجعيتنا في هذه الورشة وموجهنا في الكتابة ستكون خلاصة هذه التعريفات وسنجعله تعرف سهل لكنه شامل لكل الجوانب المهمة من هذه التعريفات:

تعريف القصة حسب ورشتنا في قطرات ادبية :

سرد حكائي نثري، واقعي، او خيالي، يهدف الى تقديم حدث وقع او يمكن ان يقع، او مجموعة حوادث تساند بعضها بعضا تشكل حبكة بسيطة لها بداية ووسط ونهاية، ويقع الحدث او الاحداث ضمن فترة زمنية قصيرة ومكان محدود ليعبر عن موقف او جانب من جوانب الحياة، ويتتبع اثر لحظات انسانية حياتية شديدة الاهمية منتقاه من صميم الذات وتفاعلها مع كل ما هو محيط بها، ويقصد بالحدث اثارة الاهتمام او الامتاع او تثقيف السامعين او القراء، وتصور احداث القصة القصيرة لحظات عابرة لا يصلح لها الا القصة القصيرة لانها تتمحور حول حدث لحظي فلا تهتم بما قبله او ما بعده.

وعلى ان يروي هذا النص الادبي السردي خبرا له خصائص معينة اي ان يكون له اثر ومعنى كلي بمعنى ان تتصل تفاصيله واجزاؤه بعضها ببعض بحيث يكون لمجموعها اثر، ويمتع ويجذب انتباه القاري او المتلقي، وعليه لا بد ان يكون الحدث متحدا ومنسجما دون تشتيت.

وتوجز القصة القصيرة في لحظات احداثا جساما معتمدة على مبدأ التكثيف فكرا ولغة وشعورا مما يمكنها من النجاح في نقل دفقة شعورية فائرة، وعليه لا بد ان يكون الحدث دراميا، بل شديد الدرامية، يكشف عن صراع تحمله شخصيات القصة ضد بعضها او ضد الطبيعة، ويعبر عن كل ذلك بلغة جميلة غنية بالمحسنات البديعية تمتلك حسا من السخرية او دفقات شعورية توقع التأثير وتعوض عن حبكة الاحداث في الرواية.

والقصة القصيرة مثل الرصاصة تنطلق نحو هدفها مباشرةـ وغالبا ما تحمل مغزا او فكرة يريد القاص ان يوصلها للمتلقي.


ايوب صابر 08-01-17 03:06 PM

هل من مشارك في هذه الورشة ؟

عبدالرحمن منصور 09-01-17 12:38 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليك ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة للجميع

أتقدم بخالص الشكر والتقدير لزميلي وأخي ايوب صابر على فتحه لهذا الموضوع المهم والمفيد في أن معاً، وقد أسهب وأطال في تعريف القصة القصيرة وجلب لنا أجد وأجود هذه التعريفات التي هي بلا شك تتباين فيما بينها، فمنها ما عرف القصة من حيث عناصرها، ومنها ما عرف القصة من حيث وظيفتها الاجتماعية والهدف من كتابتها، وما إلى ذلك من المنطلقات التي قد ينطلق منها كل تعريف وآخر، من ثم ختم هذه التعريف بتعريف سبك حلله، وانتقى جواهره، كما ينتقي الصائغ قطع الذهب، قطعةً قطعة، ليصنع منها عقدا فريداً يتيماً لا نظير له ولا شبيه ، وقدم هذا التعريف كخلاصة لهذه التعريفات المختلفة، باسم تعريف القصة لورشة عمل قطرات أدبية، فله منا جميعا خالص الشكر والثناء

وفي الحقيقة القصة القصيرة فن أدبي، له أهله، وله مريديه، وله سوقه الذي يتسع ويكبر يوماً أثر يوم،
وعن نفسي فليس لي في هذا السوق الكبير غير فضل التلقي والاستمتاع، بما يجود به أهل هذا الفن من روائع، وما يقدمون فيه من بدائع.

و عرفاناً مني بجميل الصديق الفاضل أيوب صابر،وفضله السابق في هذا الموضوع، سأقحم نفسي عنوة في هذا الفن الأدبي الراقي، لأقف حيناً فوق شطآنه، وأعوص حيناً بين ياقوته ومرجانه، وسأتطرق بشكل مقتضب لعناصر القصة القصيرة، مع شرح سريع لهذه عنصر، من ثم سأقدم أنموذجا قصصياً قصيراً أقوم بتحليله تحليلاً أدبياً ما أمكن إلى ذلك سبيلا، لتتضح من خلال هذا التحليل عناصر القصة القصيرة.

فأهلاً وسهلاً بكم


عناصر القصة القصيرة "1"

(1)-الأشخاص:
تعد الشخصيات العمود الفقري للقصة؛ إذ ترتبط بها الأحداث فلا يمكن أن يقوم الحدث دون شخصيات، وشخصيات القصة نوعان: "رئيسة وثانوية"، وقد تكون " مسطحة أو مدورة" فالشخصية المسطحة شخصية لا وصف لها إلا في حدود ضيقة، أما الشخصية المدورة فهي شخصية رئيسية منها تبدأ الأحداث وإليها تنتهي وهي شخصية توصف من جوانب كثيرة ومختلفة لا يمكن حصرها جميعا الآن، وليست القصة القصيرة كالرواية في حشدها لعدد كبير من الأشخاص، إذ لا تتسع في الغالب إلا لشخصية واحدة أو شخصيتين.


(2) المكان:
المكان عنصر هام من عناصر القصة، وهو في القصة القصيرة محدود مناسب للحدث، و يجب أن يتوافق معه ومع الحوار متناسبا مع البعد النفسي والاجتماعي للشخصيات وثقافتها، وقد يتعمد بعض الكتاب عدم تحديد مكان معين، إذ قد يجعل المكان عاما يرتبط به مصير شعب أو مصير الإنسان بشكل عام.


(3)-الزمان:
وحدة الزمان أيضا عنصر أساس من عناصر القصة، وهو في القصة القصيرة محدود بفترة محددة لأن أحداثها محدودة.


(4) الأحداث:
تعتمد الأحداث في القصة القصيرة على الانتقاء، حيث تقوم على الاختيار الدقيق للأحداث اللازمة وعزلها بطريقة فنية عن الأحداث الأخرى التي لا ضرورة لها، التزاما بضيق زمن القراءة الذي يتطلب عرض ما يهم المتلقي في إدراك الفكرة التي يرمي إليها الكاتب دون تشتيت انتباهه وتركيزه بسرد أحداث بعيدة عن هدف القصة، ويمكن حكاية هذه الأحداث إما بأسلوب ضمير المتكلم، بأن تحكى الأحداث على لسان بطل القصة، وإما بأسلوب السرد المباشر أو ما يعرب بـ" الراوي" ولكل أسلوب مزاياه وعيوبه.


(5) الصراع والحبكة القصصية:
يشكل هذا العنصر الهيكل الرئيس للقصة، تتوالى من خلاله الأحداث تدريجيا إلى نهايتها، ويشتمل على عدة خطوات أهمها:
أ- نمو الأحداث وحركتها:
يبدأ الكاتب قصته بحدث ما، ثم يطوره حتى تصبح القصة حياة متدفقة بالحركة، والقصة الناجحة تسير وفق حركة طبيعية بعيدا عن السرعة والبطء.
ب-الصراع والعقدة:
يقدم بعض النقاد العقدة على الصراع ويجعله نتيجة لها، والحقيقة أن العقدة تتكون بعد أن يحسن الكاتب سرد الأحداث وفق حبكة قصصية تعتمد الصراع متنامية إلى الموقف المتأزم المشوّق الذي ينتظر المتلقي بشغف إلى ما سيحدث بعده، وهو ما يمكن القول عنه احتدام الصراع أو العقدة التي تحتاج إلى حل في الأحداث التالية.
ومصطلح" الصراع" يحمل هنا معنى فنيا نقديا ولا يراد بها معناها اللغوي الصرف بمعنى النزاع والمحاربة والمصارعة بين شخصين، وقد يكون الصراع خارجيا بين شخصيات القصة أو الأفكار والمبادئ التي يعتنقها الأشخاص أو صراعا داخليا ينمو في الشخصية ذاتها من خلال حيرتها وترددها بين المواقف المتباينة.
ج-النهاية والحل:
بعد ذروة التأزم التي تتمثل في نشوب العقدة تنحدر القصة بشكل أسرع نحو النهاية أو الحل المقنع الذي قد يوافق توقعات المتلقي وقد يفاجئه دون الخروج عن السياق الطبيعي لتطور أحداث القصة؛ بل يكون الحل مستمدا من سياق الأحداث، يقنع المتلقي، ويجد له تفسيرا منطقيا.
ويسمي النقاد نهاية القصة بلحظة التنوير، لأن الكاتب يحشد فيها كل قوته، وكل فنه وكل خبرته ليحقق الهدف الذي من أجله كتب قصته.
ويلجأ بعض الكتاب إلى ما يسمى بالنهاية المفتوحة، حيث يترك المجال للمتلقي في وضع نهاية مناسبة للأحداث.


(6)- اللغة:
تعتمد اللغة أكثر من شكل، منها: الحوار بشكل قليل نسبياً، والسرد الذي يتخلله الوصف.


......................
1* ينظر د. كمال غنيم- عناصر القصة القصيرة - بتصرف

عبدالرحمن منصور 09-01-17 12:48 AM

تحليل قصة " حجارة " للقاص محمد سعيد الراشدي

قصة حجارة:
بدأ يومه بذكريات سيئة تملأ ذاكرته بسبب ذلك الألم الذي سببته له ليلة البارحة، حدث ذلك حين توقفت به السيارة أمام إشارة المرور الحمراء.. (وكان يفتش في مخابئ الذاكرة عن مفردات حادة كالنصال، عابسة كالحجارة ليرمي بها كبرياءها الباذخ متى عاد إليها..لكنه لا يزال غاضباً منها حين اتجه إليها بعد الظهر وهو يعاني آلام الجوع ويتذكر كيف تركته بلا عشاء ليلة البارحة طاوياً وحيداً.. حين عاد إليها واحتوته أجواء عطرة جميلة وقد واجهته بمزيج من روائح العود والبخور العطر الذي ملأ غرفة نومه بما ينبئ بأنه سوف يهنأ بقيلولة معطرة. تأثر كثيراً وانسابت فوق خديه جداول صغيرة جرفت معها كل الحجارة)


تحليل القصة :
• الشخصية كانت شخصية واحدة لا غير. وهي شخصية مسطحة لا وصف لها.
• شخصيات ثانوية ليس لها دور في مجريات الأحداث، تمثلت في شخصية الزوجة.
• الانفعال الذي يصدر من الشخصية هو البناء الذي قامت عليه هذه القصة.
• التجربة الإنسانة في النص كانت حاضرة بشكل طاغي.
• مهارة الكاتب الفنية والخبرة الاحترافية كان لها دور بارز في سرد أحداث هذه القصة.
• تمثل الصراع في صراعه مع ذاته وهو الجانب الأكبر من هذا الصراع.
• يحاول الكاتب أن يبلور من خلال القصة فكرة أن بعض المشاكل قد تكون صغيرة في الواقع، ولكن تدويرها بشكل متكرر داخل النفس الإنسانية يجعل منها مشكلة كبيرة متضخمة.فمن خلال حديث النفس للشخصية تم تضخيم تلك المشكلة الصغيرة حتى أخذت حيزا أكبر من حجمها الحقيقي في الواقع.
• الراوي الذي نقل لنا الأحداث من الخارج نقل لنا كذلك بواطن الشخصية النفسية من خلال حديث النفس الذي وظفه لسرد أحداث القصة.
• استعار الكاتب لفظة " الحجارة " بديلاً عن الألفاظ النابية وكيل الشتائم.
• حضر عنوان القصة " حجارة " حضر في النص كثيراً، فاستطاع العنوان أن يعبر عن النص، واستطاع النص أن يعبر عن العنوان.
• تجلت سيرة الكاتب اليومية في النص من خلال سرده لأحداث القصة.

//
//
//
وفي الختام أكرر الشكر الكبير للكاتب والباحث الأستاذ ايوب صابر، على هذه الصفحة المشرقة، وهذه الفكرة النيرة، وعلى جهودة المتواصلة في تقديم كل ماهو جديد ونافع، بارك الله فيه وفي علمه، وللجميع خالص التحية والتقدير....،،،،

ايوب صابر 09-01-17 03:28 PM

شكرا استاذ عبد الرحمن منصور

على كل الدعم والمساندة... وعلى كل هذه المعلومات التي اتيت بها لتكتمل الصورة كما انك قدمت لنا نموذجا عمليا عن الكتابة القصصية..

لكني كنت آمل ان لا اسمعك تقول بأنك ستكتفي بالاستمتاع فانت صاحب قلم غزير وجميل وواضح ان لديك ثقافة واسعة وخاصة ثقافة ادبية وفنية وظني ان ما ينقصك هو الصبر فقط وطولة البال على مقارعة فنيات القصة القصيرة لفترة قصيرة ايضا وما تلبث ان تصبح الكتابة عندك عادة لا تتطلب الكثير من الجهد..وهذه نصيحة وجدتك تقولها لاخرين...

اتصور ان كل قلم مبدع يستطيع ان يجرب الكتابة السردية اذا توفرت الارداة والصبر خاصة انت والقلم النازف ومتاهة الاحزان...وان كان نزفا وحزنا فالحزن والنزف اراضي خصبة لالف قصة وقصة..

لا شك ان المعلومات التي اتييت بها قدمت صورة متكاملة عن فنيات القصة القصيرة ويمكن لمن يعتمد عليها ان يكتب قصة لكن ولاغراض هذه الورشة وحتى نتمكن من استعاب هذه الفنيات على مكث سوف احاول اعادة عرضها على حلقات نركز في كل حلقة على عنصر واحد من عناصر القصة وربما يدور نقاش حوله حتى تختمر كل عناصر القصة في مخلتنا وتصبح جزءا منا لا نحتاج ان نستدعيه عن الكتابة...

شكرا وهذه دعوة مفتوحة لكل هواة الكتابة السردية للقدوم الي هنا للمشاركة في هذه الورشة...

اهلا وسهلا..

ايوب صابر 09-01-17 06:00 PM

نعود ونذكر بتعريف ورشة قطرات أدبية للقصة القصيرة :

تعريفنا للقصة القصيرة الذي سنعتبره مرجعيتنا في هذه الورشة وموجهنا في الكتابة ستكون خلاصة هذه التعريفات وسنجعله تعريف سهل لكنه شامل لكل الجوانب المهمة من هذه التعريفات:

تعريف القصة حسب ورشتنا في قطرات ادبية :

سرد حكائي نثري، واقعي، او خيالي، يهدف الى تقديم حدث وقع او يمكن ان يقع، او مجموعة حوادث تساند بعضها بعضا تشكل حبكة بسيطة لها بداية ووسط ونهاية، ويقع الحدث او الاحداث ضمن فترة زمنية قصيرة ومكان محدود ليعبر عن موقف او جانب من جوانب الحياة، ويتتبع اثر لحظات انسانية حياتية شديدة الاهمية منتقاه من صميم الذات وتفاعلها مع كل ما هو محيط بها، ويقصد بالحدث اثارة الاهتمام او الامتاع او تثقيف السامعين او القراء، وتصور احداث القصة القصيرة لحظات عابرة لا يصلح لها الا القصة القصيرة لانها تتمحور حول حدث لحظي فلا تهتم بما قبله او ما بعده.

وعلى ان يروي هذا النص الادبي السردي خبرا له خصائص معينة اي ان يكون له اثر ومعنى كلي بمعنى ان تتصل تفاصيله واجزاؤه بعضها ببعض بحيث يكون لمجموعها اثر، ويمتع ويجذب انتباه القاري او المتلقي، وعليه لا بد ان يكون الحدث متحدا ومنسجما دون تشتيت.

وتوجز القصة القصيرة في لحظات احداثا جساما معتمدة على مبدأ التكثيف فكرا ولغة وشعورا مما يمكنها من النجاح في نقل دفقة شعورية فائرة، وعليه لا بد ان يكون الحدث دراميا، بل شديد الدرامية، يكشف عن صراع تحمله شخصيات القصة ضد بعضها او ضد الطبيعة، ويعبر عن كل ذلك بلغة جميلة مشوقة و غنية بالمحسنات البديعية تمتلك حسا من السخرية او دفقات شعورية توقع التأثير وتعوض عن حبكة الاحداث في الرواية.

والقصة القصيرة مثل الرصاصة تنطلق نحو هدفها مباشرةـ وغالبا ما تحمل مغزا او فكرة يريد القاص ان يوصلها للمتلقي.


ايوب صابر 10-01-17 07:52 AM

اهلا وسهلا بكم في هذه الورشة للقصة القصيرة . الان وقد وصل تعريف القصة القصيرة اليكم نعود فنضع عناصر القصة القصيرة تحت المجهر .
هذه العناصر التي تميز القصة القصيرة عن غيرها من الأنماط الأدبية خاصة الرواية وهي الاقرب الي القصة القصيرة كونها نص سردي أيضاً مثل القصة القصيرة لكنهما يختلفان عن بعضهما البعض من خلال هذه العناصر التي تمنح النص اسمه وصفته.

ولا بد هنا من شكر الاستاذ عبد الرحمن منصور الذي تطوع مشكورا للمشاركة في هذه الورشة وجاء لنا بعناصر القصة القصيرة دفعة واحدة، ولكن ومن اجل تمكين فهمنا واستيعابنا لهذه العناصر التي من دونها لن نتمكن من كتابة القصة القصيرة او حتى فهمها والاستمتاع بفنها نعود لنضعها هنا تحت المجهر للشرح والتشريح والوصف والتفصيل ...
وسنفتح المجال لاي سؤال او نقاش حول كل عنصر من هذه العناصر حتى يتم هضمه واستيعابه تماماً ...فأهلا وسهلا

عناصر القصة القصيرة

(1)-الأشخاص:
تعد الشخصيات العمود الفقري للقصة؛ إذ ترتبط بها الأحداث فلا يمكن أن يقوم الحدث دون شخصيات.

وشخصيات القصة نوعان:
ا- شخصية رئيسة
ب- شخصية ثانوية

وقد تكون الشخصية :
- مسطحة flat character
- مدورة round character
ولا يقصد بهذا شكل الشخصية وانما بوصفها في ثنايا القصة.

فالشخصية المسطحة : شخصية لا وصف لها إلا في حدود ضيقة.
أما الشخصية المدورة : فهي شخصية رئيسية منها تبدأ الأحداث وإليها تنتهي، وهي شخصية توصف من جوانب كثيرة ، ومختلفة. وهي شخصية نامية متطورة . اي يتغير حالها من حال الى حال اثناء السرد.

وما يميز القصة القصيرة عن غيرها من الانماط خاصة الرواية من حيث الشخصيات فيها هو ، قلة عدد الشخوص ، وقد تحتوى القصة على شخصية واحدة اذا كان صراع هذه الشخصية مع الطبيعة او صراع داخلي نفسي او غير ذلك ، ولكن قد تحتوى القصة القصيرة على اكثر من شخصية خاصة اذا كان الصراع بين هذه الشخوص . فالصراع في القصة متطلب رئيسي وهو لا يحدث ايضا من دون شخصيات .

وليست القصة القصيرة كالرواية في حشدها لعدد كبير من الأشخاص، إذ لا تتسع القصة القصيرة في الغالب إلا لشخصية واحدة أو شخصيتين بينما قد يصل عدد الشخوص في الرواية الى المئات.

ايوب صابر 12-01-17 09:42 AM

تابع عناصر القصة القصيرة : الشخوص

ما قلناه في تعريف الشخوص حتى الان يكفي للكاتب المبتدئ لكن لمن يريد ان يتعمق ويتعرف على هذا البند من كل الجوانب يمكن الاطلاع على المقال التالي الذي اظنه يحتوى على معلومات كامله حول الموضوع
:

الشخصيّة في القصّة القصيرة
مصطفى اجماهيري
ـ1ـ‏

إذا كانت الحادثة هي لب القصة، فإن الشخصية هي لب الحادثة. إذ لا يمكن تحقيق الحادثة وإنجازها بدون شخصية أو شخصيات تأخذ على عاتقها مهمة الإنجاز أي خلق الحادثة.‏

ويقسم النقاد والقصاصون الشخصية إلى أنواع سواء بحسب دورها المتبنى في القصة أو بحسب تمظهرها الخارجي أو الداخلي. وإذن فهناك.‏

* شخصية مركزية أو رئيسة تسمى البطل. وهي الشخصية المحتلة لمركز كثافة القص، لتعكس بعداً من أبعاده. وبالتالي هي من ينصب عليها اهتمام الملقي والمتلقي معاً.‏

* شخصية ثانوية (مساعدة) وهي التي تسلط الضوء على جوانب في القصة وعلى الشخصية الأولى.‏

* شخصية جاهزة نمطية. وهي غالباً ما تجيء مسطحة ومعكوسة فوتغرافيا وتسمى أيضاً الشخصية الجامدة، وكان يطلق على الأبطال المسطحين في القرن السابع عشر نعت (الظرفاء).‏

* شخصية نموذجية نامية، وهي مرتبطة بالظرف الحياتي، وتتميز بقدرتها على التطور مع تاريخ وأسلوب الأحداث.‏

* شخصية متوازنة نفسياً أي سكونية: وهي المحافظة على تطور نفسي واحد.‏

* شخصية معقدة نفسياً أي دينامية: وهي غير مستقرة على حال واحدة وتتحول من وضع نفسي إلى آخر.‏

ولا تجوز المفاضلة بين مستويات هذه الشخوص، فلكل منها مميزاته وخصوصياته ودوره بحسب السياق القصصي الذي يشمله. لكن الجاري في القصة القصيرة أن تكون شخصيتها جاهزة لأن الشخصية النامية غالباً ما توظفها الرواية، وأن تحصر تعدد الشخصيات، إذ يستحسن الاقتصار على شخصية واحدة في القصة أو على أدنى عدد يسمح به موضوع القص. فالإكثار من الشخوص مثلبة سقطت فيها بعض الإنتاجات القصصية خاصة إذا كان مهرجان الشخوص لا تسوغه ضرورة فنية أو كانت الشخوص تتحرك في جو قصصي غير مبرر لوجودها.‏

ـ2ـ‏

إن تصوير الشخصية القصصية بالنظر إلى ما تتطلبه من فنية وتمكن، عملية ليست باليسيرة. فما يسيء إلى مصداقية الشخصية لهو الإسهاب في رسمها بمفردات تقريرية. وبالتالي فإن التصوير الداخلي يبقى الطريق المحبذة في رسم الشخصية القصصية، بمعنى تصويرها من خلال تفكيرها وسلوكها بلمسات خفيفة أثناء السرد والحوار والصياغة الفنية.‏

هكذا من مجموع اللمسات العابرة والذكية تتبين للقارئ الأبعاد الثلاثة للشخصية، وهي:‏

* البعد الجسمي أو البراني ويشمل المظهر العياني والسلوك النافر.‏

* البعد النفسي أو الجواني، ويشمل الحالة المتخفية والفكرية.‏

* البعد الاجتماعي ويتعلق بمكانة الشخصية في حلبة المجتمع ومحيطها وظروفها.‏

هذه الأبعاد الراسمة للشخصية، لها بالغ الأهمية بمقدار ما تحدده من ملامح الشخصية وبمقدار ما تساعد على تصنيفها السلوكي والمواقفي فالقاص بالتأكيد سيظل في عمله كما الشخصية تماماً حبيس هذه الأبعاد الثلاثة.‏

وفق أبعادها الثلاثية إذن، يبني القاص شخصيته القصصية بناء منطقياً مع ذات الأبعاد حتى تنسجم الشخصية مع مختلف مواصفاتها ولئلا يقع تنافر ما بين هذه الأبعاد والسلوك الراشح عنها (فلا يمكن للقاص أن يجعل بطله يهيم بفتاة قاصرة، إذا ما كان قد قدم بطله شخصية مسنة رامزة للتعقل).‏

وإن سعي القاص لخلق شخصية تأخذ على عاتقها قيادة الحادثة لا تعني سقوطه في ميكانيكية التوصيف الاجتماعي النفسي لهذه الشخصية أو فقر في تحليلها الباطني أو إِسراف في تصوير مظهرها الخارجي. فالتعمق في باطن الشخصية أو عكسه لن يجدي ما لم يؤد مهمة في القصة ويضيف لها جديداً.‏

إذ يقول ألبرت كوك أن (الموهبة الجوهرية للروائي تتبدى في قدرته على ملاحظة تفاصيل السلوك الاجتماعي للأفراد الذين يصورهم بحيث توضح الرواية لقارئها واقعاً كان خافياً عليه رغم أنه مما يشاهده في حياته اليومية)(1).‏

وليس لزاماً على القاص معرفة كل شاذة وفاذة عن شخصياته منذ البداية، أي فتح ملف استخباري لها. فالشخصيات هي التي تتكفل بالكشف عن حقيقتها من خلل الأحداث باعتبار أن محاولة التحكم القسري في الشخصية من خارج النص تكون نتيجته المؤسفة هي فرض الشخصية على الأحداث. إن سياق النص وتطوير المشاهد ليتحكمان هما كذلك في تكوين وتطوير وتصرف الشخصية.‏

فقد سألت ماري زوجة أرنست همنغواي زوجها وهو يكتب الصفحات الأخيرة من روايته (الشيخ والبحر).‏

قالت له: لا أظنك ستجعل الشيخ يموت؟ وأجابها همنغواي: من يدري، ربما كان ذلك أفضل شيء بالنسبة إليه.‏

يفسر هذا المثال أن همنغواي لم يشأ أن أن يتدخل بشكل متعسف لصالح أو ضد الشيخ بطل روايته المعروفة، بل إنه احتكم لمجريات القصة، معطياً إياها حق تقرير مصيرها بنفسها. يوضح هذا بالطبع كون الشخصية ولو أنها من مخلوقات الكاتب فإِنها حرة. حرة ليس بالمعنى المطلق، وإنما ضمن الاشتراطات التي يضعها القاص لعمله القصصي.‏

ولكل كاتب طريقته في رسم الشخصية وفي التعامل معها. فقد يعمد الكاتب إلى وسائل مباشرة (الطريقة التحليلية) أو إلى وسائل غير مباشرة (الطريقة التمثيلية). في الأولى يرسم شخصياته من الخارج ويتدخل في تفسير تصرفاتها فهي طريقة تفسيرية بمعنى تخبر عن الشخصية من قبل المؤلف أو من قبل شخصية أخرى. بينما الثانية تتيح للشخصية الحرية دونما تدخل في تحركاتها، أي في سياق وصف ذاتي تقوم به الشخصية. وحتى إذا استشف القاص فاعلية تدخله لإعلاء صوت في القصة فإنه يفعل ذلك بوساطة الشخوص الثانوية. وتسمى هذه الطريقة أيضاً بالطريقة الدرامية.‏

ولقد أدت الكتابة القصصية بصيغة المتكلم إلى سقوط الشخصية. والقصة القصيرة في اعتمادها على صيغة المتكلم، أي طريقة التوافق إنما ترنو لتطرح شهادة لذات كاتبها مما يجعلها أحياناً اعترافاً حقيقياً يصعب معه تمييزها كقصة قصيرة عن السيرة الذاتية، وتصبح هنا أنا المتكلم مساوية لأنا القص. وهذه حالة تمازج بين الكاتب وشخصيته القصصية. ولنا مثال في ذلك الأديب جبرا إبراهيم جبرا حينما يقول: (ولا أنكر أن أبطالي أو معظمهم أناس أريد لهم أن يحققوا.. شيئاً مما كنت دائماً أريد أن أحققه لنفسي)(2).‏

فصيغة المتكلم تحاصر القاص في قصة يكتبها ومن أشهر من استعمل طريقة التوافق أنطون تشيخوف الذي كان يمنح القراء إحساساً بالحضور في قصصه، وذلك بالرغم من أن المدرسة الطبيعية التي انتمى إليها تشيخوف كانت تهدف في الواقع إلى محو شخصية القاص من إبداعه.‏

وخلافاً لذلك يرى الأديب حنكيز إيتماتوف بأن أفضل الوسائل هي تصوير البطل من وجهة نظر ضمير الغائب حتى يستطيع القاص تقييمه والحكم عليه.‏

ولقد سمعت الألسنية إلى ضبط نوع من علاقة الأثر الأدبي بمنتجه من خلال السرد والرؤية القصصية. فعلى مستوى الشخصية تقسم الألسنية النص إلى نوعين من الوحدات: الوحدات الأساسية التي تعبر عن الأعمال التي يقوم بها أشخاص القصة، والوحدات الثانوية وتعبر عن أوضاع هؤلاء الأشخاص.‏

وكيفما كانت نوعية الطريقة المتبعة، فإن القاص لن ينطلق في عملية الكتابة إلا حينما ينتهي من التقاط القسمات الفارقة لبطله أو حينما ينضج في ذهنه نموذج ذاك البطل الذي سيتمحور حوله الحدث. فبهذا الخصوص تؤكد القاصة الفرنسية فرانسواز ساغان بأنها لا تبدأ مشروع الكتابة إلا حينما تلاحظ بأن شخصياتها قد أصبحت "ثقيلة جداً".‏

ويشكل اسم الشخصية المركزية دلالة إضافية لا تخلو من أهمية في تتميم صورة الشخصية والمفترض أن تكون هناك خلفية لاسم البطل وأسماء الشخصيات المساعدة. أولاً لأن تسمية الشخوص ضرورية إذا ما تعددت في النص القصصي الواحد وثانياً لأن دعوة شخصية باسم خاص تشكل العنصر الأبسط من التمييز) كما يقول توماشفسكي(3)، وثالثاً لأن التسمية جزيئة بنائية كباقي الجزيئات المؤلفة للشخصية. فاختيار اسم لشخصية وإطلاق لقب على أخرى، ليس منطلقه الفلكلورية وإنما الفنية وما فيها من ضرورة، تلزم أن يكون الاختيار مؤسساً على فهم كامل للعمل القصصي وطبيعته. لأن لاسم الشخصية عموماً إيحاء من شأنه إنارة جانب في القصة، وأحياناً قد يلمح إلى تطابق مع الوضعية النفسية أو الاجتماعية أو الفكرية لهذه الشخصية بدليل كون الطبقة الراقية في الحضر تختار أسماء معينة خلافاً لأهل الأرياف المتمسكين بأسماء الأجداد والأسماء التاريخية.‏

أيضاً للاسم غنى في دلالاته. فقد يكون مبعث ذكرى أو رمزاً عند الكاتب بالذات، ثم هو يفصح عن جنس الشخصية (ذكر، أنثى) وموطنها (عربية، إفريقية، ...) ومعتقدها الديني، إلى غير ذلك من دلالات أخرى لا محصورة.‏

ـ3ـ‏

وقد شاع هناك نوع من تنميط الشخصية حسب النوع القصصي الذي جاءت فيه، فالقصة الواقعية غالباً ما تفسح مجالاً للمواجهة بين شخصيتين متناقضتين: مستغلة وأخرى مستغلة وفي القصة الوجودية توافق بين ذات الكاتب وذات الشخصية السلبية. وفي القصة المأساوية تموت الشخصية الرئيسة في آخر مطافها، وفي القصة الكوميدية يخلص الموضوع بزواج الشخصيتين العاشقتين، أما في القصة التجريدية كقصة الخوارق فنلفي الشخصية باهتة، خاضعة لتوصيف كلاسيكي ثنائي: أبيض أسود، طيب شرير إلخ.. بينما تجعل القصة التأريخية من البطل عنصراً مهيمناً.‏

وحتى لدى كثير من القصاصين المعروفين فقد شاع نوع الشخصية التي يجيدون وصفها والتحدث عنها. فأبطال هنريش بول صادقون في كل الأحوال وهم المسحوقون المنهزمون والفارون من الجندية(4). ولدى القاصة الأمريكية جويس كارول أوتس، الأطفال غير الأسوياء هم أبطال قصصها. ويختار فلوبير شخصيات تعاني من الموت الروحي. وعند هرمان هيسه يبدو التأثير الديني الكاثوليكي على شخصياته محسوساً جداً(5) بينما عند دوستويفسكي شخوص معذبة قلقة لا تنعم بأية طمأنينة نفسية، لذلك فإن السوفيات وإن كانوا يقدرون مؤلفات دوستويفسكي فإنهم لم يشاطروه رأيه في عدم مواجهة الشر بالعنف. أما كافكا فشخوصه متوترة تتعرض للمسخ فحينما (يصف كافكا حياة التاجر الرحالة غريغور ساستا بأنه استيقظ في صباح يوم ما وإذا به يجد نفسه تحول إلى خنفساء فهذا التصوير التغريبي يعكس تغريب الحياة اليومية المألوفة. وهذا الرمز بمثابة سخرية مؤلمة من تشويه الشخصية وفقدان العلاقات الإنسانية في مجتمع البورجوازية الصغيرة)(6). وقد نجح بلزاك في خلق شخوص نمطية تتسم بالفردية والشمولية في آن معاً. ويتميز أبطال جان بول سارتر بالانفرادية والانغلاقية. بينما تمثل شخصيات ألبير كامو حالات عبثية خالصة، وكان كامو يتألم لعذاب الأطفال الأبرياء(7).‏

وإلى جانب هؤلاء الأدباء هناك قصاصون وروائيون بلغوا غاية الإبداع في رسم الشخصية، ويجمع النقاد مثلاً على أن تورغينيف هو أفضل من صور المرأة في الأدب الروسي وبخاصة في القرن التاسع عشر، ومرد ذلك ما كان للمرأة من انعكاس قوي على إنتاجات تورغينيف وعلى حياته ذاتها. كما يمكن الإشارة إلى وصف المرأة في قصص (ألف ليلة وليلة) ذلك الوصف الملهب للخيال.‏

ويختلف الكتاب العرب في النظر إلى الشخصية القصصية، وذلك باختلاف الطابع القصصي لإبداعات كل منهم ونوعية أسلوبه وخصوصية معالجته للمضامين. فهي إما شخصيات مشاركة أو محايدة، وهي إما شخصيات تشكل جزءاً من القاص، وإِما محض مشجب تعليق. فإذا كان غسان كنفاني يجعل من الشخصية القصصية فكرة من الأفكار الحاسمة التي تؤرق الوجود الإنساني، فإن الشخصية عند إدريس الشرايبي هي ذاك الإنسان المعزول في وجود غريب عليه، وإذا كانت أغلب شخصيات الروائي الفلسطيني إميل حبيبي، تقتحم وجودها متهكمة على المعتقد الديني فإن القاص والروائي حنا مينه يبهرنا بتصويره لشخوص مسيحية كاملة تعاني من أجل وجود شريف.‏

وقد كان لبعض الشخوص القصصية حظ كبير أو قليل من التأثير على إبداعات القصاصين العرب.‏

فمثلاً كان لشخصية إدريس فردي بطل رواية (الماضي البسيط) لإدريس الشرايبي والصادرة سنة 1954 تأثير ظاهر وقوي في الإنتاج القصصي المغاربي المعاصر المكتوب بالفرنسية(. كما كان لشخصية (مرسو) الكاموية ظلال واضحة في إبداعات قصاصين من مثل محمود دياب وبهاء طاهر ومحمد حافظ رجب والقصاص المغربي مبارك الدريبي في مجموعته (عيون تحت الليل).‏

وعموماً فالشخصية القصصية في الإنتاجات العربية هي شخصية تراجيدية تشد القارئ إليها شداً. وبسبب من ذلك الوضع التراجيدي يرى الدكتور محيي الدين صبحي بأن القصة العربية المعاصرة تقف بالبطل في مآزق لا مخرج منها(9). يوافقه على هذا الرأي القاص جبرا إبراهيم جبرا حينما يقول عن أبطال قصصه: (نعم إنهم دائماً في مأزق هو بالضبط الذي يجد المبدع نفسه فيه كلما أعاد النظر في علاقته مع العالم، حتى ليخيل إلي أن الحياة مأزق يتجدد وفي صيغة مباينة كل مرة)(10).‏

فالبطل في القصة العربية بطل مأزقي، نلاحظ ذلك مثلاً لدى جمال الغيطاني في مجموعته (إتحاف الزمان بحكاية جلبي السلطان) ومحمد زفزاف في مجاميعه (بيوت واطئة) و(الأقوى) و(الشجرة المقدسة) وهو الذي يختار شخوصه من الهامشيين والمدمنين، ومحمد شكري في مجموعته (مجنون الورد) الزاخرة بنماذج مغلوبة على أمرها (تمارس الجنون بطرق مختلفة)(11)، وعبد الجبار السميمي في مجموعته (الممكن من المستحيل) حيث المواطن البسيط تسحقه دواليب المدينة، وأيضاً موسى كريدي في مجموعته (غرف نصف مضاءة) حيث نموذج المثقف البورجوازي الصغير المتأزم.‏

وطبعاً فإن جذور هذه المأزقية تضرب في ثرى واقع عربي حابل بالمآزق. واقع يذهب إلى حد مساءلة القاص عن شخوصه(12).‏

ـ4ـ‏

وحتى تأتي الشخصية في القصة نابضة بالحياة متوافرة على سلطة الإقناع لتتبوأ مقعدها بين الأحياء، ينصح (جون غرين) القاص بأن ينظر إلى شخصياته على أنها حقيقية من لحم ودم، فإن لم يفلح القاص في إقناع القارئ بأن البطل شخص من الواقع انهار عالم قصته بالكامل.‏

ولربما كان الحرص على تقديم شخصية لها من القوة ما يكفي للسيطرة على ذهن القارئ هو ما دفع بكثير من الكتاب إلى اختيار أبطال واقعيين. فقد استخدم هكسلي وموم أشخاصاً حقيقيين في إبداعهم القصصي. ولم يحاول إيفان تورغينيف ـ كما يقول ـ أن يغلق شخصية من ذهنه بل من الواقع الحي. فقناعة القارئ بالبطل هي هدف القاص باعتبار أن (البطل المضاد هو قارئ النص حينما يأخذ متعته)(13).‏

إن الشخصية كنموذج معيش قد تدل على تجربة فعلية لخالقها، مما يضفي على الشخصية صفة الصدق. لكن (معايير الصدق والكذب لا يمكن أن تصبح مرادفة للتجربة الشخصية أو انعدامها. وذلك لأن الأدب لا يمكن أن يقتصر على العبارة عن التجارب الشخصية. كما أن الأديب ذا الخيال الخصب الخلاق أو ذا الملاحظة الدقيقة النافذة يستطيع أن يخلف بخياله تجارب بشرية قد تكون أعمق صدقاً وأكثر غنى من واقع الحياة)(14). فالشخصية يمكن أن تكون بنت خيال محض، وحتى في هذه الحالة فغالباً ما تتم الاستعانة بتفاصيل شخوص من الحياة. ويرى مكسيم غوركي بأن شخصية بطل ما تخلق من تفاصيل وملامح متعددة، يجب على الكاتب انتقاءها بوساطة أناس مختلفين ينتمون إلى مجموعته الاجتماعية.‏

والأمثلة على نماذج الشخوص المنتقاة من المجموعة الاجتماعية للقاص، لا تعوزنا. ففي رواية (دايفيد كوبرفيلد) لتشارلز ديكنز تأتي الشخصية من الواقع. حيث استخدام ديكنز أباه كأساس لشخصية بطله، وجعل شخصيته قريبة الشبه من والده. واستطاع الروائي الشهير فكتور هيجو استخلاص شخصيتين قصصيتين من شخصية حقيقية واحدة. ففي روايته (البؤساء) يواجه المجرم الطيب جان فالجان مفتش الشرطة جافير، وهما معاً مأخوذان من شخص فرانسوا يوجين فيدوك الفار من الجندية، والذي أصبح فيما بعد مؤسس التحريات الجنائية الحديثة(15).‏

وفي محيط القصاصين العرب يلاحظ أن القاص العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي قد لجأ إلى نفس الطريقة حينما جزأ شخصية ابن حميد عباس في قصة (القمر والأسوار) إلى اثنتين:‏

عزيز وعباس وكلاهما ـ كما يقول ـ يحملان شيئاً من شخصيته هو(16). وفي مجموعته القصصية (تلك الرائحة) للقاص المصري صنع الله إبراهيم، التقط نموذجاً من الواقع، حيث (كانت الشخصية المحببة إليه أيامها هي خليل بك. وهو نموذج بشري التقطته موهبة صنع الله كما يلتقط طائر النورس من طيرانه العالي ظهر السمكة وينقض عليها. وخلق صنع الله من خليل بك شخصية يمكن أن يكتب عنها عشرات الكتب دون أن يفرغ محتواها)(17). كذلك فؤاد التكرلي يستمد شخصياته من واقعه القريب. فمثلاً بطلة روايته (العيون الخضر) استوحاها القاص من امرأة وحيدة كانت تستقل معه قطاراً(18).‏

ـ5ـ‏

رأينا بأن الشخصية الرئيسة في القصة تسمى البطل. والبطل هو (الشخصية التي تتلقى الصبغة الانفعالية الأشد قوة وظهوراً)(19) وحسب تحليل بروب الوظائفي فإن البطل هو (الشخصية التي لها مساس رئيسي بوظيفة حصول الإساءة أو تقويمها)(20). لكن مفردة بطل لم تعد تمثل الفضيلة، ولم تعد كلمة البطولة تعني في القصة القصيرة صفات النجاح والتفوق كما في الماضي، وكما تصور ذلك الحكاية الشعبية حيث ينجح البطل في كل شيء بمساعدة القوى الخيرة، فشخصيات القصص القصيرة المعاصرة تمثل نماذج مقهورة تتحدى وضعها بالحزن عليه لما تعجز عن الفكاك من شرطها الإنساني القاهر. وبالتالي فإن البطولة كما تعني الإقدام يمكن أن تعني التراجع أيضاً(21).‏

ويلاحظ في الإنتاج القصصي الجديد الذي طرحته البورجوازية الصغيرة بخاصة كتنفيس أو كإدانة ميل إلى تصوير الشخوص المنهوكة والمستمدة من واقع المدينة، ويعتقد سيمونوف بأن اختيار الشخصيات السلبية ينم عن ضعف عند الكاتب. وكان بلزاك يرى بأن الأبطال الخيرين لا يعيشون بل يتكاسلون.‏

من هنا طرح الأدب الاشتراكي قضية البطل الإيجابي مقابل البطل السلبي. وسرى الاعتقاد بأن الكتابة التمهيدية هي وسيلة لتجسيد البطل الإيجابي الذي يمهد لأنصاره سبيل التحول.‏

ولعل مكمن قوة مؤلف (الأم) لمكسيم غوركي، وهي الكتاب الأول للواقعية الاشتراكية يكمن في نماذج أبطالها الإيجابيين. فلقد (خلق الفن الاشتراكي نموذج البطل المليء إلى أقصى درجات التعبير الجمالي بالاتجاهات التقدمية الطليعية للتطور الاجتماعي، وثبت الفن الاشتراكي مظاهر الشجاعة والصمود الخلقي وعظمة الروح الإنسانية)(22).‏

وقد برزت صورة البطل الإيجابي في الإبداع القصصي للقرن العشرين لدى همنغواي بخاصة، وأيضاً لدى نجيب محفوظ. ويحيى الطاهر عبد الله في بعض قصصهما.‏

لكن إشكالية البطل الإيجابي على شيء من الدقة. فالبناء الفني هو الذي يمنح البطل مصداقيته وليس العكس. وتمس هذه الإشكالية بمدى قدرة القاص على إقناعنا بالنموذج الذي يقيمه ومدى البرهان الفني الذي يبرر سلوك بطله وعلاقاته بالمجتمع والأفراد.‏

وكما يكون البطل فرداً يمكن أن يكون جماعة. فالشعب مثلاً هو بطل جماعي. ويدل البطل الجماعي كمفهوم على فناء البطل الوحداني فبعد ثورة 1905 في روسيا قام الشعب ضد الحكم القيصري وتأثر الأدب والإنتاج الفني عموماً جراء ذلك، وكان بروز طبقة الفقراء في القصة الروسية كبطل جديد.‏

ـ6ـ‏

أخيراً يحق لنا أن نتساءل: هل عنصر البطل في القصة عنصر جوهري؟.‏

يرى الدكتور عبد الملك مرتاض بأن اعتبار البطل في الإبداع القصصي كعنصر جوهري ليس إلا محض خرافة، ويذهب إلى أن (البطل ما هو إلا دعامة ضمن شبكة الدعامات الأخرى المفضية إلى تشكيل النص القصصي)(23).‏

فإذا كان البطل عنصراً لا مناص منه في القصة التقليدية، فإن بعض القصاصين المعاصرين قد جعلوه في نفس مستوى العناصر الأخرى أو أقلها شأناً، وذلك بإعطاء الصدارة للفكرة القصصية تارة (كنفاني في قصصه مثلاً) أو للشرط المادي تارة ثانية كعنصر المكان (غ. غ. ماركيز في مجموعته "الأم العظيمة" ومحمد شكري في "مجنون الورد") أو لإحساس عام في القصة طاغ على ما عداه من عناصر (صنع الله إبراهيم في مجموعته "تلك الرائحة"). بل إن البنيوية ترفض اعتبار البطل هو محور العمل الإبداعي. كما قرر بعض الشكليين الروس بأن البطل غير لازم في القصة تماماً.‏

ويختفي البطل في الرواية الجديدة التي لا تبرز شخصية رئيسة، بل تميل غالباً للحديث عن شخصيات سلبية دون ذكر أسمائها، أو بإطلاق أسماء مختلفة على نفس الشخصية، ذلك لكون مدرسة الرواية الجديدة تنظر للشخوص نظرة شعبية بتصويرها من الخارج كما في السينما. أو قد تتخذ شخوصاً من عالم الحيوان تتصرف مثل الآدميين.‏

وتوظيف الحيوانات كشخوص في القص تجربة قديمة في الأدب العربي حيث تعد قصص الحيوان من أقدم أنواع القصص الشعبية، (عبارة عن شكل قصصي يقوم فيه الحيوان بالدور الرئيسي وهو امتداد للأسطورة بصفة عامة ولأسطورة الحيوان بصفة خاصة)(24). وأشهر نموذج لقصة الحيوان هي (خرافات كليلة ودمنة) التي نقلها عبد الله بن المقفع عن السنسكريتية في القرن الثاني الهجري.‏

الهوامش‏

(1)ـ ألبرت كوك ـ لغة الفن القصصي، مجلة الأقلام عدد 10 سنة 1977.‏

(2)ـ من حوار مع جبرا إبراهيم جبرا ـ مجلة الأقلام، بغداد عدد 5 سنة 1984، ص114.‏

(3)ـ نظرية المنهج الشكلي ـ ترجمة إبراهيم الخطيب ـ الطبعة الأولى 1982، ص205.‏

(4)ـ انظر مقدمة كتاب (Les Contem Foraius allemands)‏

وهو مختارات من القصة الألمانية، صدرت في بازل عام 1975.‏

(5)ـ انظر مجموعته القصصية (Histoirs médievales).‏

(6)ـ د. شاكر عبد الحميد سليمان ـ نظرية التحليل النفسي والإبداع الفني ـ الأقلام عدد 1 سنة 1985.‏

(7)ـ انظر مثلاً مجموعته (أعراس) ترجمة جورج طرابيشي ـ دار مكتبة الحياة، بيروت 1970.‏

(ـ انظر مقال عبد الله بنسماعين بالمجلة الأمريكية (CELFAN) عدد فبراير 1986.‏

(9)ـ دكتور محيي الدين صبحي ـ دراسات ضد الواقعية ـ دمشق.‏

(10)ـ من حوار مع جبرا إبراهيم جبرا، مجلة الأقلام العراقية، عدد 5 سنة 1984.‏

(11)ـ تعبير لصدوق نور الدين ـ حدود النص الأدبي ـ الدار البيضاء ـ 1984 ـ ص149.‏

(12)ـ انظر مقدمة (تلك الرائحة وقصص أخرى) وهي مجموعة قصصية لصنع الله إبراهيم ـ الدار البيضاء 1986.‏

(13)ـ رولان بارث (Le Plaisir dv texte) منشورات لوسوي ـ باريس 1943.‏

(14)ـ د. محمد مندور (الأدب ومناهجه).‏

(15)ـ مثال آخر: ادعت الصحيفة الكوبية (إكسلسيور) بأن بطل قصة (الشيخ والبحر) لأرنست همنغواي هو الصياد (ميغيل راميرز) عمره 69 عاماً، وكان قد عاش حقيقة أحداث القصة، ثم اشتراها منه همنغواي. لكن همنغواي كذب ذلك.‏

(16)ـ حكايتي مع القمر والأوار ـ الأقلام العراقية عدد 11 و12 سنة 1986، ص189.‏

(17)ـ انظر مقدمة مجموعة (تلك الرائحة وقصص أخرى) لصنع الله إبراهيم ـ الدار البيضاء 1986.‏

(18)ـ من حوار مع فؤاد التكرلي ـ يومية (الشرق الأوسط) بتاريخ 25 يناير 1986.‏

(19)ـ توماشفسكي ـ نظرية المنهج الشكلي، ترجمة إبراهيم الخطيب، الطبعة الأولى 1982.‏

(20)ـ انظر كتاب (مدخل إلى نظرية القصة) لسمير مرزوقي وجميل شاكر ـ الدار التونسية للنشر.‏

(21) يقول لينين (قادرون ليس فقط على البطولة في الهجوم بل وعلى البطولة في التقهقر).‏

(22)ـ ي. غروموف ـ الواقعية الاشتراكية، ترجمة عدنان مدانات ـ بيروت 1975.‏

(23)ـ د. عبد الملك مرتاض (الرواية جنساً أدبياً)، الأقلام العراقية عدد 11ـ 12 سنة 1986، ص137.‏

(24)ـ د. عبد الحميد يونس (الإبداع الشعبي) مجلة المأثورات الشعبية، عدد 5 يناير 1987.‏

(25)ـ د. وديعة طه نجم (الرمز بالحيوان في الأدب العربي القديم) مجلة العربي عدد316 سنة 1986، ص30.‏

ايوب صابر 12-01-17 10:52 AM

تابع الشخصية ... هذا المقال يعالج موضوع الشخصية في القصة القصيرة جداً بإسهاب مدعما كلامه بالمقارنة والنماذج والأمثلة :
مَلامِحُ الشَّخصيّةِ في القِصَّةِ القَصِيرةِ جِدّاً
حرر بتاريخ 09/12/2013
د. يوسف حطيني

أولاً ـ نقاط الاتصال والانفصال:
لا يمكن لامرئ أن يتخيّل قصة دون شخصيات، أياً كان نوعها وشكل حضورها، ذلك أنّ الشخصية هي التي تصنع الحدث، والحدث هو لبّ الحكاية التي لا تقوم قصة من دونها. وينبغي ألا يقود ذلك إلى نوع من المبالغة، كالادعاء بأن الشخصية أهم أركان القص، فليس ثمة ركن أهم من آخر، بل إن الأركان تتضافر فيما بينها لتقديم بنية القصة ورؤيتها . كما أن هذا الحضور للشخصية لا يشترط فيه أن يكون مفصّلاً: جسمياً ونفسياً وبيئياً، ولا ينقل للقارئ، بالضرورة، شخصية من لحم ودم، كما يحبّ بعض النقاد أن يقولوا حين يمتدحون تفاصيل صفات الشخصية عند قاص أو روائي معين، فالشخصية في نهاية الأمر ليست من لحم ودم، بل من أحرف وكلمات، يسهم القارئ في حمل إشاراتها، وتحويلها من ثمّ إلى واقع إبداعي، يختلف باختلاف القارئ وثقافته وبيئته.

على أن القصة القصيرة جداً لا تقدّم من الشخصية سوى ضروراتها القصوى؛ إذ ربما تكتفي من البطل بنظرة من عينيه، أو إشارة من إصبعه، أو كلمة من شفتيه، ويبدو عندها رسم الشخصية أكثر اختزالاً، وأندر تنوعاً، وأقل عدداً مما نراه في القصة القصيرة.
وإذا كنّا نجد في الرواية شخصيات مرسومة جسدياً ونفسياً وبيئياً، عبر طرق البناء المختلفة من وصف وحوار ونجوى وحركة... إلخ فإن ذلك يغدو في القصة القصيرة مقتصراً على شخصية البطل في معظم الأحوال، أمّا في القصة القصيرة جداً فإن وصف الشخصيات، بما فيها البطل، يشبه إشارات برقية، يلتقطها القارئ ليجمع نثار الصفات والسلوكيات. وكثيراً ما يبحث القارئ في القصة القصيرة جداً عن وظائف الشخصيات المختلفة إلى جانب الشخصية الرئيسية (كالشخصية المساعدة والمكمّلة والطيفية) فلا يجدها، حتى إنه قد لا يجد الشخصية المضادة التي تعوّق مشروع الشخصية الرئيسية؛ إذ يكتفي القاص حين ذاك بتصوير ظرف مضاد أو بيئة مضادة.
وإذا أراد الناقد أن يقدّم نماذج الشخصيات ووظائفها وطرق بنائها في القصة القصيرة جداً، فإنه لا يستطيع أن يجد ذلك التنوع في قصة محددة، لذلك سيكون لزاماً عليه أن يلجأ إلى عدّة قصص حتى يتمكن من التمثيل لكلّ ذلك.
والشخصية في القصة القصيرة جداً هي، في معظم الأحوال، مجرد حامل لوظيفة فعلية، فلا يحتمل قِصَرُ النص تنوّع وظيفتها وتغيّر شكلها، ومن هنا فإنّ المنوط بالكاتب أن يعي وظيفة شخصيته، ويستثمر العنصر الأنسب فيها لبناء الحكاية، سواءٌ أكان هذا العنصر مظهراً أو جوهراً أو سلوكاً أو حديثاً أو نجوى....*
وإذا كانت الرواية والقصة القصيرة تفترض شخصية تغيّر شكل الحدث من المستقرّ إلى نقيضه، فإن من المفترض في القصة القصيرة جداً أن تبدأ بالنقيض الذي تحمله الشخصية المأزومة منذ اللحظة الأولى، تاركة للقارئ مهمة تخيّل الاستقرار القبلي.
وإذا أخفق القاص في تقديم الشخصية وسط أزمتها، فإن ذلك سيقود الحكاية إلى نوع من الترهّل الذي لا يناسب هذا الجنس الأدبي الساعي لالتقاط الحالة الطارئة. ولعلنا نشير هنا إلى قصة "عجوز" لمحمد محقّق التي لم تنجح في تقديم الحكاية، فقد بدأ الكاتب برصد الشخصية في لحظة استقرار، تيمّناً ببعض القصص القصيرة، وأنهى قصته في سياق محدود من الكلمات، إخلاصاً للقصة القصيرة جداً، فوقع بين ضغط الحجم واستقرار الشخصية، وهذا ما قاده إلى تقديم حالة سردية لا ترقى إلى الحكاية، على الرغم من أنّ الحكائية قلما تفلت من بين يدي هذا القاص في قصصه الأخرى. تقول القصة:
"في دهشة عقارب الصمت
تجلس على عتبة الليل
تحاور وحدتها الموحشة
وتحتضن الماضي الدفين ".
مثل هذا الاستقرار في التقديم الافتتاحي للشخصية قاد القاصة عائشة الكعبي في قصة "ترقّب" إلى إنتاج حالة سردية مشابهة، لا تقدّم حكاية، لأنها غير قابلة للتطور، وكان من الممكن أن تفعل ذلك لو أنها بدأت مع الشخصية في ذروة أزمتها، أو لو أنها خرجت إلى سرد القصة القصيرة، لتنسج على مهل أزمة قابلة للتطوير:
"من خلف ستارة بيضاء، أستشعر ارتجاجات باب غرفتي..
حين تقرع أبواب الغرفة المجاورة ".
إن السرد الافتتاحي للشخصية في القصة القصيرة جداً شيء يشبه فن الكاريكاتير، يختار فيه الفنان أكثر ملامح الشخصية مناسبة للدلالة، من أجل إظهار تناقضها وأزمتها، بالمقارنة مع السياق الطبيعي، ليخلق من خلال ذلك صدمة للمتلقي تقوده إلى التأمّل في المعاني الكامنة وراء ذلك الملمح البارز.
في قصة "تباعد" لسناء بلحور يولد الرجل كبيراً، مما يشكّل مفارقة ناجحة، بالمقارنة مع السياق الطبيعي، صالحةً للبناء عليها، من خلال حدث غرائبي؛ حيث يبدأ هذا الرجل بالعودة خلفاً نحو الشباب:
"ولد شيخاً... خافوا منه ومقتوه... وتخلّوا عنه...
كان كلّما قطع أشواطاً من الزمان، شبّ واعترته طراوة وحسن... آنذاك أحاطوا به، أحبوه، لكن... تخلّى عنهم ".
ويلاحظ أنّ القصة القصيرة جداً قلّما تطرح شخصيات محايدة، أو شخصيات تنمو وفقاً لتطور ظروف تفصيلية، بل تطرح شخصيات نامية تتعرض لظرف مضاد (لا لظروف مضادة) لتنتقل من حالة الأزمة إلى حالة الفعل السردي الذي يقودها إلى اكتمالها الفني.
في قصة "مغتصبة" ينجح مأمون حرش في رصد شخصيتين في أوج أزمتهما، ويستنتج القارئ ما سبق عقدة الحكاية من أحداث قادت إلى تلك الأزمة، وأمام ظرف المواجهة تنفرج الأزمة عن نفاق اجتماعي يغفر للذكر ما لا يغفره للأنثى:
"تدخلُ حريقاً،*
ويدخل حمّاماً...
بعد الخروج..
هي.. يلفظها المجتمع...
وهو.. تضوع رائحته وتنقاد له أخرى ".
ونشير هنا إلى أنّ الشخصية خيار فني يبدعه خيال الكاتب، دون سلطة من أحد، باستثناء سلطة النص، الذي يجعل الشخصية حرّة بمقدار ما تسمح اشتراطاتها الفنية البنائية والفكرية. في قصة "النصّاب" يسند القاص والناقد حميد ركاطة أفعالاً متعددة (حرّة) للجماهير المحكومة بأيديولوجية التبعية والعمى المطلق، فتقف بحريتها الكاملة، في لهيب الحَرّ، منتشية بكلمات الزعيم، سابحة في أحلامها الوردية، فيما يعبث هو، حرّاً، في حريتها المقيّدة بشرط الرؤية التي تحكم هذه القصة:
"وهو يخطب فيها، كانت الجماهير تنتشي بروعة الكلمات، وتداري لهيب الحرّ، وعناء الوقوف منذ ساعات مبكرة من الصباح سابحة في أحلام عالم مشرع الأبواب والنوافذ، عابق بأريج الحدائق وأزكى الجنان.
على طاولة المفاوضات كان الزعيم يبيع أحلامهم، ووعودهم، ويعقد بجرة قلم أكبر الصفقات ."
ثانياً ـ في البحث عن وظائف الشخصيات:
يمكن لأي ناقد أن يدرس الوظائف المتنوعة للشخصيات في رواية ما، إذ سيجد فيها شخصيات فاعلة، وأخرى مساعدة، وثالثة معيقة، ورابعة مكمّلة، وخامسة طيفية، دون أن يعاني في البحث عن التمثيل النظري الذي يدور في فلكه. غير أن الأمر يبدو أصعب في القصة القصيرة في ظل عدد محدود من الشخصيات، ولكنه يغدو ضرباً من الخيال حين يتعلّق الأمر بالقصة القصيرة جداً؛ إذ من المستبعد جداً أن تتوفر هذه الأنواع من الشخصيات، أو أن يتوفر عددها من أجل القيام بحدث (أو بعدد محدود من الأحداث) يقود الحكاية بشكل مباشر نحو نهايتها. لذلك كان لا بد من البحث عن تلك الوظائف في عدد من القصص، إذ قد تكتفي القصة القصيرة جداً بثلاثة أنواع من هذه الشخصيات، وقد تكتفي بالشخصية الفاعلة والمعيقة، وربما تكتفي بشخصية واحدة، تضعها في مواجهة ظرفها المضاد.
أ ـ الشخصية الفاعلة:
نقصد ها هنا بالشخصية الفاعلة تلك الشخصية التي تقوم بالحدث الأساسي (أو الأحداث الأساسية) لتقود الحكاية نحو النهاية، ويمكن التمثيل لهذا النوع من الشخصيات، بشخصية (أقوى الرجال) في قصة "الولادة" لزكريا تامر، وهي تبرز قدرة تلك الشخصية القوية الماكرة على الفعل المتوالي الذي لا يعرف حدوداً، من خلال الاستيلاء على ما تريد، والحصول على كل شيء، بما في ذلك الإنسان:
"استولى أقوى الرجال وأغناهم وأمكرهم على أراض ذات سهول وجبال وأودية، واستولى على سماء وشمس وقمر ونجوم تتلألأ حين يسود الظلام، واستولى على غيوم ترحل من مكان إلى مكان، واستولى على ربيع وصيف وخريف وشتاء، واستولى على قطط وكلاب وطيور، واستولى على صحارى وبحار وبحيرات وأنهار، ثم تفحّص ملياً ما استولى عليه، فرأى أنه أصبح مالكاً لوطن لا ينقصه إلا الرجال والنساء والأطفال، فظفر توّاً بما ينقصه وبغير جهد ".
وفي قصة "المولود الجديد" لآمنة برواضي يغدو الرجل/ الذكر فاعلاً في مقابل شخصية المرأة/ الأنثى التي تبحث عن ظلال فاعليتها، في حضوره دون جدوى، فتخفق في امتحان الفاعلية، لأنها امرأة تعيش في مجتمع ذكوري:
"بعد عودتها من زيارة الطبيب، سألته:
ماذا لو كان المولود أنثى؟
أجاب، وهو مقطب الجبين:
بذلك تصبحين أمّاً لثلاث بنات.
صمتت... ثم قالت:
وماذا لو كان ذكراً؟
ابتسم وقال:
سيحمل اسمي، ويرث أموالي من بعدي...
تراجعت إلى الوراء وسرحت ببصرها في سقف الغرفة ".
ب ـ الشخصية المساعدة:
تستحقّ الشخصية المساعدة جدارة الانتماء إلى هذا النوع من الشخصيات حين تناط بها وظيفة ما، أو فعل ما يسهم في خدمة مشروع البطل الأساسي، سواء أتمّ ذلك بتخطيط منها، أم بمحض المصادفة، ولعلنا نشير هنا إلى قصة بعنوان "إنشاد" لجمعة الفاخري، إذ يتجمّع عدد من الشخصيات المساعدة للإسهام في قيادة الحكاية نحو منتهاها:
"نفخ الراعي في نايه.. غنّت البلابل.. رقصت الأزاهير.. انتعش الربيع.. انتشت الشياه.. اخضرّت أنامله.. أطلّت من ثقوب الناي حقول أزاهير..! "وثمة شخصية مساعدة بارزة في قصة (مسرحية) لمصطفى لغتيري إذ يتدخل السارد، ليدوّن تسويغاً لتصفيق المرأة التي شاهدت المسرحية، إنها المؤلفة التي وجدت في الممثلة شخصية تساعدها على الانتقام الرمزي، إثر خيانة تعرّضت لها من قبل عشيقها، ولم تستطع أن تردّ عليها بشكل مناسب إلا على الورق:
"من مقعدها في الصف الأمامي ، كانت المرأة تتابع بشغف أحداث المسرحية. أعجبها رد فعل الممثلة حينما اكتشفت خيانة عشيقها. حين انتهت المسرحية، لم تتوقف المرأة عن التصفيق إعجابا بالممثلة.. المرأة المصفقة هي كاتبة المسرحية، و أحداثها مستوحاة من حياتها. ص54
ج ـ الشخصية المعيِقة:
تقوم هذه الشخصية بوظيفة أساسية هي إعاقة وصول الشخصية الفاعلة إلى قيادة الحدث نحو الحكاية، بل على العكس تماماً تقف دائماً على النقيض من مشروعها، وتقوم بأفعال مضادة، بحيث يمكن أن نعدّها بطلاً مضاداً. غير أنها لا تقوم في القصة القصيرة جداً إلا بعدد محدود من الأحداث، بسبب طبيعة التكثيف الذي يتحكم ببنية النص، ولكنها قد تكون قادرة على إدارة دفة الحكاية بالاتجاه الذي تريد.
في قصة "أنا" لعدنان كنفاني، تتلبس الشخصية المعيقة شكل مظلة، تجمع الخير الذي ينتظره الناس بفارغ الصبر، إلى الزعيم الأوحد، وتحرم كل أولئك من إتمام حكايتهم على الوجه الذي يشتهون:
"تلبدت السماء بالغيوم واسودت.. لمع البرق، وقصف الرعد، وهطل المطر بعد طول انحباس.. خرج الناس من بيوتهم للاستمتاع بالخير المنتظر.
فجأة انتصبت مظلة كبيرة.. كبيرة جداً.. غطت سماء المدينة، وساقت الماء الهاطل بغزارة إلى مكان واحد ".
في قصة "صداقة العمر" لنور الدين كرماط يستطيع اللص أن يسطو على بيت صديقه، ويجمع في كيسه كل ما يلمع، ولكنّ الجار شكّل بطلاً مضاداً لأحلامه، إذ أعاق اكتمال فرحته بالنصر المؤزر، حين اكتشف اللص لا الجار، أنّ صديق عمره قد بادله خيانة الثقة بما لا يحتمل من ألوان القهر، إذ رأى زوجته بين أحضان ذلك الجار:
"حمل اللص كل ما يلمع في كيسه، لمّا همّ بالخروج سمع صوتاً نسوياً يتهادى من غرفة النوم في دلع. نظر من ثقب الباب فاكتشف بأن جوهرته تلمع أكثر بين يدي جاره صديق العمر ".
والواقع أنّ هذه القصة تعدّ مثالاً جيداً جداً على التكثيف الذي تتطلبه القصة القصيرة جداً، فهي لا تقول إلا ما هو ضروري، بل إنها لا تقول ما هو ضروري إلا في مكانه، ولو اضطر كاتبها إلى تأجيل تعبير (صديق العمر) للنهاية، من أجل أن يمنح القصة اكتمال بنائها ومفارقتها ودلالتها المتفجرة من تلكما الكلمتين.
د ـ الشخصية المكمّلة:
نعني بالشخصية المكمّلة تلك الشخصية التي لا تناط بها وظيفة حكائية، ولا تقوم بأي حدث، بل تنعكس عليها أفعال الشخصيات، أو تسهم في إكمال بيئة القص، أو ترد في ذاكرة الأبطال على نحو ما، ويمكن في هذا الإطار أن نشير إلى شخصية الشرطي التي يستعين بها عماد ندّاف لإكمال قصة "حزن الحمار" فنياً ورؤيوياً:
"الحمار كان متضايقاً جداً من صاحبه! لم يتناول شيئاً من التبن الذي وضعه له أمامه، ولم يقترب من كومة قشر البطيخ التي رماها قربه بسخاء!!
كان صاحبه قد شتمه قائلاً: امش جيداً أيها الخَنوع!
لم ترق كلمة الخَنوع للحمار، وكان يشاهد صاحبه، وهو يقدم الطاعة للشرطي، ويتوسله كل يوم!! ".
أما القاص أحمد جميل الحسن فإنه يستثمر استثماراً حسناً شخصية طارئة على حكاية قصته "دمية" هي شخصية الدمية ذاتها، إذ تخترق فجأة نظام الحكاية الأليفة، لتحوّلها إلى حكاية مدهشة، على الرغم من أنها (أي اللعبة) مجرد حامل دلالي:
"دمرت الطائرات الإسرائيلية البيت على أصحابه، بدأت عملية الإنقاذ وانتشال الجثث، وخلال ذلك شوهدت قدم صغيرة تحت طرف السرير..
رفعوا السرير.. وجدوا تحته طفلة مضرجة بدمها، تحتضن دميتها لتحميها من الطائرات ."
هـ ـ الشخصية الطيفية:
هي شخصية يقتصر دورها على الحضور الطيفي، على شكل حلم أو تخيّل أو ذكرى، ويمكن لهذه الشخصية أن تسهم في تفعيل الحدث، وفي صناعة الحكاية، وربما تسهم أيضاً في تغيير وجهتها. ويمكن أن نمثّل لها بشخصية الجدة في قصة "موت جدتي" لفاطمة المزروعي؛ إذ ينوب الطيف عن الجدة في إتمام مهمة السرد التي ألفتها الشخصية الرئيسة في القصة: "أضع رأسي على المخدة، أنتظرها بفارغ الصبر لتراني قبل أن أنام. أتحرّك في سريري وبداخلي لهفة.. كل ليلة يتكرر المشهد.. بعد زمن، أصبح طيفها ـ فقط ـ هو الذي يسرد الحكاية .
أمّا مهنّد العزب فهو يبتدع في قصة "موعد" شخصية طيفية، لتزور البطل بعد وفاته، ليبقى بعد وفاته في انتظارٍ افتراضيٍّ لزيارة افتراضية: "قبيل وفاته أوصى: إذا جاءت حبيبتي لكي تراني لآخر مرة، أفسحوا لها الطريق، فنحن لم نلتقِ أبداً، لأنها كانت من نسج خيالي ".
و ـ الشخصية الرمزية:
إن الشخصية الرمزية هي تلك الشخصية التي يصنعها الكاتب، ليبحث القارئ عن شخصية، أو شخصيات، تقابلها في الواقع، أي أن بناءها يدفع القارئ ليبحث عن ظلالها خارج القص، بسبب قدرتها الإحالية على الواقع السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي إلخ.. ويمكن أن نشير هنا إلى قصة بعنوان "الشهادة" لزكريا تامر، وهي قصة تحيل بقوة على مصر، إذ يسمّي القاص بطلة القصة بهية، ويحيل من خلال الأحداث على ما يشبه توقيع اتفاقية كامب ديفيد في سياق انتقادي مثير، يدين الاتفاقية التي وقعها السادات، مثلما يدين تهافت بعض الدول العربية على إقامة علاقات مع العدو الصهيوني:
"تباهت بهية أمام نساء حارتها بحفاظها على شرفها وشرف الحارة التي ولدت فيها، وحكت ما جرى لها أمس عندما كانت تتنزه في أحد البساتين القريبة، فالرجل المجهول الذي اغتصبها شهر سكيناً تذبح جملاً، وأمرها بأن تخلع كل ثيابها، ولكنها لم تخلع جواربها متحدية أمر الرجل وسكينه، فشهقت نساء الحارة معجبات بها، وانتشرن في البساتين عازمات على ألا يخلعن الجوارب" .*
في قصة "قاراقوش" يحشد عدنان كنفاني شخصيات الغابة ممثلة بحيواناتهـا المختلفة في وحدة قصصية مركزة من أجل أن يقدم قصة عميقة الدلالة، تحيل على شخصيات بشرية تنتمي إلى واقعنا، مستفيداً من اسم العلم التاريخي في إسباغ صفة الظلم على الطاغية، وهنا تصبح الشخصيات حوامل رمزية لدلالات أكثر اتساعاً. يقول كنفاني في قصة "قاراقوش":
"فرامان سلطاني شديد اللهجة يقول: كل حمار (مهما كان تصنيفه) ينهق في الأماكن العامة يتعرض لعقوبة الخوزقة.
ساد الهرج والمرج وتزاحمت وحوش الغابة وطيورها وحشراتها تغادر مواطنها هرباً..
قال حمار يخاطب أرنباً هارباً: لماذا تهرب والفرامان يخصنا دون سوانا؟
ضحك الأرنب ساخراً، وأجاب: في غابة مثل هذه، كلنا حمير.
وانطلق يركض على غير هدى ".
ثالثاً ـ بناء الشخصية:
لا تبتدع القصة القصيرة جداً طرقاً جديدة في تقديم ملامح الشخصية القصصية، ولكنها تقترح اختياراتٍ أقل عدداً وأكثر تركيزاً من تلك الطرق، فقد يكتفي الكاتب بتسمية الشخصية مستنداً إلى رصيد اجتماعي أو تاريخي، وقد يكتفي بالحوار أو النجوى، أو بالوصف الجسدي لتقديمها، وهكذا تبدو الشخصية، دون إلحاف منه في تتبع ملامحها، وحيدة الاتجاه في غالب الأحيان. وها هنا تقع مسؤولية اختيار الطريقة المناسبة لتقديم الشخصية على الكاتب: أيقدّمها من خلال اسمها أم صفاتها الجسدية أم النفسية أم ثقافتها أم خلفيتها الاجتماعية أو السياسية أو الفكرية إلخ... لأن جمع هذه الطرق لتقديم الشخصية سيجعلها شخصية روائية، لا شخصية من شخصيات القصة القصيرة جداً.
أ ـ التسمية والتشخيص:
ربط عدد من النقاد ربطاً مبالغاً فيه بين التسمية والشخصية، فيما أهمل نقاد آخرون تلك العلاقة، غير أن التسمية تبقى في جميع الأحوال أبسط أشكال التشخيص ، وإذا كنّا نرى بعض المبدعين يسمون شخصياتهم اعتباطاً، أو يهملون تسمية تلك الشخصيات لسبب أو لآخر، فإن مبدعين آخرين اهتموا بالتسمية اهتماماً بالغاً، وجعلوا ذلك ديدنهم، ويمكن أن نشير سريعاً إلى الروائي العربي نجيب محفوظ الذي كان ينحت كثيراً من أسماء شخصياته نحتاً من بيئتها، ونلفت النظر هنا إلى رواية "زقاق المدقّ" بالتحديد، "فالمعلم كرشة ذو كرش كبير، وزيطة يحمل كل الفوضى التي يحملها اسمه، وفرج ابراهيم (القواد) يدل اسمه دلالة واضحة على مهنته، فهو (يفرج) عن الناس، وهو أبو الرحمة أيضاً (وهذا هو معنى كلمة ابراهيم ـ ابراهام بالعبرية)، ورضوان لا يخرج فيما يفعله عن الرضى (القناعة بما هو واقع)، ولا يسعى إلا إلى مرضاة الله. ومن جهة أخرى، فإن حميدة تعاكس دلالة اسمها، إذ لا تقوم بأي فعل محمود، وكذلك سليم علوان، فهو مريض حطّ الدهر والظروف من منزلته... إلخ ".
في القصة القصيرة جداً، حيث تكون ملامح الشخصية محدودة، وحيث يكون اختيار طريقة التشخيص أكثر تركيزاً، يجد الكاتب نفسه أمام مساحة نصيّة، وأمام أحداث متسارعة تقوم بعبء الحكاية، ولا تضطره إلى التسمية. وقد لاحظ أحد المنظرين للقصة القصيرة جداً ذلك الأمر، وهو الأستاذ د. جميل حمداوي، فرأى في نظريته الميكروسردية أنّ التنكير قدر الشخصية في هذا الجنس السردي الجديد، ولكننا خالفناه في ذلك، ليس في التفاصيل بل في التعميم، ورأينا أن التسمية تبقى إحدى وسائل التشخيص وأن دعوة شخصية باسم خاص تشكل "العنصر الأبسط من التمييز" كما يقول توماشفسكي ، حتى في القصة القصيرة جداً، وقدّمنا عدداً من النماذج التي تثبت إفادة القاص من دلالة اسم العلم واستثمارها ، وإن كان العدد الأكبر من القصص يلجأ إلى تنكير البطل، أو تكرار اسمه، أو حتى تسميته بحرف واحد.
ويبدو د. جميل حمداوي مخلصاً، في قصصه القصيرة جداً، لذلك التنظير؛ مستثمراً ما يتيحه التنكير في تعميم التجربة وامتدادها، ومن ذلك ما نلمسه في قصة "النياشين"، حيث يدين القاص صنوف الهوان التي يتعرّض لها المضحّون بكل شيء في سبيل رفعة وطنهم، ولا يلاقون مقابل ذلك سوى الإجحاف والإهمال:
"زينوه بالنياشين، وشواهد التقدير والتكريم، وأتخموه بالكلام المعسول، فدفنوه عارياً تنهشه الديون الجائعة... ".*
ويرتضي مأمون الحرش أيضاً لنفسه خيار تنكير الشخصيات، إذ يقّدم معظم نصوصه بلا أسماء، مستثمراً الحكاية التي تحيل على دلالة عامة تجعل اسم العلم فضلة لا تقدّم إضافة للنص، ومن هذه النصوص قصة بعنوان "رأس":
"تحسس رأسه.. لا أحد جسّه، والمادة لم تكن غير ذرق طائر
حمد الله لأنه يملك رأساً يقع عليه شيء من السماء ".
وقد لجأ بعض القاصين إلى خيار آخر في تسمية الشخصيات، تمثّل في إطلاق حرف واحد على الشخصية، مقتفين أثر تجارب عالمية سبقتهم في هذا المجال ، ولعلنا نشير هنا إلى تميّز القاص المصطفى كليتي فيما يتعلَّق بإطلاق أسماء مدروسة على شخصيات قصصه، فقد أطلق على عدد منها اسماً من حرف واحد، أو اسماً يدلّ على مفهوم مجرّد، أو اسماً على علاقة وثيقة بوظيفته القصصية. وثمة شخصية مكررة اسمها (س)، يقدّمها القاص في سياقات حكائية مختلفة، وقد انتشرت في مجموعتيه (ستة وستين كشيفة ) و(تفاحة يانعة وسكين صدئة) التي يقدم فيها اثنتي عشرة قصة بطلها (س)، نختار منها قصة "سلطة الأقنعة":
"قرر (س) أن يتخلّى نهائياً عن الأقنعة الزائفة، ويظهر مبرزاً حقيقة صورته، فتسمّر أمام المرآة فلم يجد له وجهاً .
وفي قصة له بعنوان "جثة قابلة للتعفن" يستثمر كليتي مفهوم الضمير، وينقله من دلالته المجردة، إلى حيّز القص، وينوط به عدداً من الوظائف الحكائية:
"قفز السيد (ضمير) من متحفه وقال: اليوم سوف أتفقد أحوال المدينة وأسودها..
وكانت المدينة ساحة صناديق إسمنتية صفّت صفوفاً متعرّجة.. تسامقت حتى حجب تطاولها قرص الشمس، فتشوهت الأزقة والشوارع وأضحت جراحاً راعفة بركام آسن..
كحّ السيد (ضمير) حتى جحظت عيناه واحمرّت من جراء تلوث مؤكسد بالفساد، سلّ السيد (ضمير) من جيبه قلماً وكنّاش مذكراته وسجّل ملاحظات وهوامش فاضت بها وريقاته، جلس السيد (ضمير) في الشارع العام، ليقرأ تقريره الأخير.
لكن ضربة محكمة التسديد نالت أم رأسه، تمرّغ على الإسفلت ديكاً أرقصته شطحة الألم الأعظم. انتفض ثم انتفض فأشرق دمه القاني فوق وريقاته، وهمد ".
ومثلما أفاد المصطفى كليتي من دلالة الحرف (س) الذي أطلقه اسماً لعدد من الشخصيات، ومن استثمار دلالة مفهوم الضمير في جعله علماً، فقد أفاد أيضاً من الدلالة اللغوية لتسمية الشخصيات في عدد من النماذج، وبنى على ذلك موقفاً حكائياً، ونشير هنا إلى قصة "الانتصار للحياة"،حيث يدعو بطلة قصته "رحمة"، وهي قابلة على علاقة وثيقة باسمها، كما سيلاحظ القارئ:
"كانت الأم رحمة قابلة القرية، قد ثكلت أولادها تباعاً، في حروب خاسرة، وكلما نودي عليها من أجل تخليص امرأة حبلى متوجعة، تستردّ منتهى عنفوانها وحيويتها، فرحة ومستبشرة بكل ما تدفعه الأرحام إلى الأمام ".
كما أفاد إسماعيل البويحياوي من اسم العلم ورصيده في الذاكرة الشعبية، في قصة بعنوان "نوم قصصي" حيث تدفع الأبوة شعور البنوة في داخل البطل الأب، وتندفع الذكريات نحو حكايا الأجداد، ليجتمع كل هؤلاء على صعيد الحكاية:
"أخيراً نامت مروة. سحبتُ يدي، وأطفأت شمعة حكايتي الأخيرة. تدنو، تلامسني، حكّ ظهري واحكِ يا بابا. يغمغم طفل بداخلي. حكَّ واحكِ يابا. تتلألأ في ظلام الغرفة أطياف جدي وجدتي وأبي. يشعلون فوانيس الحكي، فيخرج الغول وهاينة وحديدان والثعلب والقنفذ. يضفرون لنا شواطئ حلميّة، نجري، نتسابق، نتراشّ ماء الحكي، ثم نغطس في بحيرة النوم ."
وخلال البحث في أسماء الشخصيات وبناء الحكايات عليها قامت القصة القصة جداً بتوظيف أسماء عدد كبير جداً من العلماء والمثقفين ورجال الدين والقادة والشخصيات التراثية الأدبية والأسطورية وغير ذلك، فنقرأ قصصاً تستثمر السندباد وجحا وعنترة ونرسيس وجان بول سارتر وجورج صاند وشهريار وشهرزاد... ويمكن هنا أن نشير إلى استثمار بعض هذه التسميات، على نحو ما نجد في قصة "حمراء" لجمعة الفاخري التي تفيد من دلالة اسم العلم التاريخي، وتستثمر حمولاته المختلفة، لتقدّم حكاية جديدة، تختلف مع الحكاية الأصلية في بدايتها، ولكنها تتفق معها في نهايتها الدموية:
"قبل أن تبدأ شهرزاد في سرد أولى الحكايا شرع شهريار بالشخير..
وحين نامت... كان حدّ السيف يعانق عنقها مبتدئاً حكاية حمراء مرعبة..! "
ب ـ الوصف الخارجي والوصف الداخلي:
يمكن أن يكون للوصف الخارجي أثر بارز في تصوير الشخصية في القصة القصيرة جداً، إذا أحسن القاص استثمار هذا الوصف، حتى وإن تعددت الصفات الخارجية. فالمهم ها هنا إدراك بناء الشخصية، ووعي أبعادها. ونشير هنا بإعجاب إلى قصة "بذلة" لجمعة الفاخري الذي عمد في سرده إلى خداع القارئ بالتركيز على الصفات الخارجية للشخصيات، من أجل أن ينتج مفارقته المذهلة في النهاية التي تقوم على المقارنة المفترضة التي يقيمها القارئ بين ما هو برّاني مصطنع لا قيمة له، وبين ما جوهري إنساني لا يلتفت أحد إليه:
"ـ ربما عبر فجأة دون أن ينتبه إليه أحد.
هكذا صرّحت سيدة وهي قرب زميلة لها وهما تنظران بإعجاب إلى الوافد الجديد إلى المدينة. بينما أطرق الشرطي مفكّراً، وأنامله تداعب شاربه الطويل، وسهام نظراته مصوّبة باتجاه واحد فقط، تستطلع مكونات البذلة الجديدة لرئيسه، هو يحرّر محضر حادثة سير طفل أردته سيارة مخمورة قتيلاً على الفور ".
ويمكن أن نشير إلى قصة أخرى بعنوان "اقتراض" للقاص محمد محقق، تعتمد اعتماداً كبيراً على الصفات الخارجية التي تنوب عن الحدث في تقديم بداية الحكاية ونهايتها، إذ ليس ثمة في الفعل السردي سوى: (دخل دوامة الاقتراض وخرج منها)، بينما تتمم صفات الجسد بقية الحكاية:
"دخل دوامة الاقتراض.. باسماً.. معتدل القامة..
خرج شاحب اللون.. مقوّس الظهر..! ".
ويلاحظ القارئ دون شك أنّ القصتين السابقتين ظهَّرتا الوصف الجسدي الخارجي على حساب الوصف الداخلي، إذ لا تحتمل القصة القصيرة جداً أن يزجي كاتبها السطور جرياً وراء رسم شخصية ذات أبعاد متعددة.
في المقابل قدّمت بعض النماذج القصصية شخصيات ذات ملامح نفسية، وأخلى الوصف الخارجي السطور لوصف يهتم أكثر بما هو جوّاني قادر على إنتاج شخصية تحرك الأحداث عبر مساحات الوعي، ليس غير. ويمكن هنا أن نمثل بقصة عنوانها "عتمة" لحميد ركاطة، وهي قصة تجري أحداثها داخل ذهن البطل:
"فتح الجريدة، مسح ما بها من أخبار، ظلّ حائراً في فك أسرار البياض، فتح ذاكرته وحاول تذكّر لحظة منيرة، فلفّها السواد.
بين الأبيض والأسود، ظلّ سنوات يبحث عن نفسه، فأمطرت غيومه ذكريات قاتمة، بلا كلمات ".
وقد يلجأ القاص إلى إجراء مقابلة طريفة بين الصفات الداخلية والخارجية، فيقدّم الخارجي، ليكشف من ثمّ صفة خارجية مدّعاة، وداخلية حقيقية، وقد كثُر تقديم هذا النموذج في كشف النفاق الديني عند بعض الشخصيات، ويمكن أن نشير إلى قصة "عفّة" لعبد الإله الخديري التي تتخذ من الجسدي جسراً مفارِقاً لتقديم النفسي:
"كانت الصالة مملوءة عن آخرها، والهدوء تام. مشاهد الفيلم كانت حامية جداً وخليعة. أزاح يده من بين فخذيها، خلّل لحيته الكثيفة، فيما سوّت هي نقابها، ولبست قفاز يدها اليسرى، وهي تسوقه لخلاء غير بعيد لتكمل فيلمها في حياء وعفّة ".
ومثلما تلاعب المبدعون في بعض الأحيان بالعلاقة بين الجسدي والنفسي، فقد تلاعبوا أيضاً بالعلاقة بين أحدهما وعناصر سردية أخرى مجرّدة أو محسوسة، ويمكن أن نشير إلى قصة "تأمل" لمحمد غازي التدمري، حيث تتقابل الصفات الجسدية وجهاً لوجه، وتبني حكاية القصة:
"تأملَّ صورته المعلّقة على الجدار، نظر إلى المرآة، قارن بين الصورة والخيال.
ثمة صراخ تأجج في أعماقه.
وقعت الصورة وقهقه الخيال ".
كما نشير هنا إلى قصة "وجه" لجمانة طه التي تفيد من المقابلة بين عنصر الوصف المقترح من قبل معلمة الصف وعنصر الوصف المتخيّل للشخصية، فتجعل ـ في صورة فريدة ـ الربيع مرآة لوجه الأم في مخيلة الفتاة الصغيرة:
"قالت معلمة الصف لتلميذاتها: فصل الربيع هو موضوع اليوم. على كل واحدة منكن أن تعبّر بالأسلوب الذي تراه مناسباً.
أمسكت بسمة بالقلم ورسمت وجه أمها .
ج ـ التصوير غير المباشر للشخصية:
وثمة طرق أخرى مألوفة لتقديم الشخصية في السرد، لا يعتمد القاص فيها على وصف شخصيته أو تسميتها، بشكل مباشر، بل على تقديمها من خلال تفكيرها أو سلوكها أو حواراتها، أو أية طريقة غير مباشرة يقترحها نصّه الإبداعي:
• فقد يقدّم القاص شخصيته من خلال حوار ما يجسّد آراءها في قضية من قضايا الحياة، ويصبح الحوار عند ذاك حاملاً من حوامل الملامح النفسية، ونستطيع هنا أن نستعين بقصة "انفتاح" لليلى العثمان التي تنقل حواراً بين وردتين، تبدو المجيبة فيه توّاقة للحرية، تقول ليلى العثمان في قصتها:
"سألت الزهرة رفيقتها:
-لماذا تفتحت قبلي؟
قالت الرفيقة بانتشاء:
ـ فتحت قلبي للنور والمطر قبلك."*
ونستطيع أن نرصد في قصة "جنوح" لحصة لوتاه شخصية امرأة ذات شعر مجعَّد تعاني القهر والكبت في مجتمعها الذي لا عدالة فيه، وذلك من خلال حوار يجسّد رؤيتها الفكرية:
قالت لهم المرأة المجعدة الشعر: إنّ سماءكم تضيق بي.
قالوا لها: إن أرض الله واسعة.
فذرفت دمعة وهي تقول: وهل تتركونني أعبرها بسلام؟! ".
في قصة "تخيّل" لمحمد غازي التدمري يقوم كشف الشخصية على نجوى (حوار مفترض) بين السارد (الذي يتخيّل نفسه مارد علاء الدين) وبين خوائه الذي يجسّد غربة روحه في الحياة، وفي هذه الغربة لا تصبح الأمنية الخروج من أسر العبودية، بل التمسك بها:
"تخيّل نفسه مارد علاء الدين
سأل نفسه ما هي أمنيتك؟
أجابه خواء داخلي:
غرفة من خمسة جدران ".
• ويمكن أن يستند القاص في تقديم شخصيته ألى وصفها من الداخل أو الخارج من خلال سلوكها وعلاقتها مع الآخرين، وثمة قصة جميلة لعبير إسماعيل بعنوان "أمركة" تحكي صراعاً بين امرأة أمريكية تسعى إلى تغيير قلب رجل عربي، وبين رجل عربي مهزوم مستسلم، يصنع انتصاره عليها أخيراً من خلال أغنية يصدح بها، وهو على فراش الحُمّى:
"لقد استطاعت أن تنتقم من قلبها الذي جعلها تحب عربياً، فعملت على أمركته. كان إكراماً لعينيها يرتدي الجينز، ويتناول غداءه في مطاعم ماكدونالدز، ويتكلم الإنكليزية باللكنة الأمريكية، ويرفع العلم الأمريكي على سارية فوق بيته كبقية المتعصبين. لكنه عندما أصيب بالحمى أثار دهشة زوجته وجميع الأطباء المتحلقين حول سريره، فقد كان يهذي ويغني بلغته، وبصوت قروي حزين: "بي بي الغربة.. الوطن حنونا ".
ويمكن أن نسوق تمثالاً آخر من مجموعة "مرور خاطف" لمحمود شقير، وهو قصة بعنوان "تمساح"، يعنى فيها القاص بتقديم معظم ملامح الشخصيات من خلال سلوكياتها، فالتمساح يرقب المرأة ويستشار ويُغْوَى، والرجل يتمسّح بها ويُغْوَى أيضاً، وهي تتعرى وتركض وتُغْوِي، ومن خلال هذه السلوكيات يقف المرء على صفات الشخصيات الثلاث التي تبنى عليها الحكاية:
"تمساح باهت الجلد، مسترخ تحت شمس الظهيرة، مرتاح لبلادته التي لا توصف، يرقب بسكينة ودعة، المرأة وهي تتعرى ببطء لذيذ، يرقب بالسكينة وبالدعة نفسها، الرجل وهو يتمسح بالمرأة التي تبدو مثل فريسة سهلة المنال، التمساح وهو مسترخ تحت شمس الظهيرة، يذرف الدموع، شفقة على المرأة التي ركضت، ضاحكة، مستثارة نحو حافة الماء، وهي لا تدري أنها تغوي تمساحين اثنين في وقت واحد) .
وتنبغي الإشادة هنا بمحمود شقير الذي جعل هذه الشخصيات تقوم بأحداث يفرضها منطق النص من أجل كشف صفاتها، لأنّ محاولة فرض صفات أو سلوكيات على الشخصية من خارج النص سيؤدي إلى فرض الشخصية على الحكاية بما يعيق سيرها.
• كما يمكن للقاص أن يستثمر، من أجل تقديم شخصياته، كلّ ما يخطر في باله من يوميات أو اعترافات أو رسائل أو مذكّرات أو غير ذلك، من أجل تظهير صفة أو أكثر من صفات شخصياته.
في قصة "الرسالة" يستثمر جمعة الفاخري رسالة (sms) تصل خطأً إلى إحدى الفتيات، لتقدّم صفات جسدية مطلوبة في الأنثى، مما يجعل الفتاة تشعر بفرح عارم، وهي تتخيّل أن الرسالة مبعوثة لها، وأنّ تلك الصفات هي صفاتها فعلاً، قبل أن تذكّرها المرآة بأن لها صفاتٍ أخرى:
"(حبيبتي شفتاك حديقتا أحلام.. عيناك بحران من فرح.. ووجهك النهاري قصيدة).. قرأت الكلمات فعرّش الفرح في قلبها.. احتضنت فرحتها.. هرعت إلى مرآتها.. أخبرتها المرآة بكلام مختلف. سقط هاتفها الجوّال من يدها..
أدركت أن الرسالة قد وصلتها عن طريق الخطأ .
أما قصة "الساحر" لزكريا تامر فهي تستعين بالذكريات لتقديم صفات الشخصيات التي تستجلبها ضحكة طفل أحيت الحب والإنسانية في نفوس الجنود. فالحكاية تتحدث عن ضابط يأمر خمسة من جنوده بإطلاق النار على قلب طفل، وإذ يضحك الطفل يتذكر الجنود الخمسة أياماً جميلة في حياتهم، وتكون النهاية المفاجئة إذ يبادر الجنود الخمسة إلى إطلاق نيران بنادقهم على صدر ضابطهم الذي تهاوى أرضاً مثقوباً خمسة ثقوب دامية، وذلك لأنّ ضحكة الطفل تقود الجنود إلى ذكريات تحضر فيها شخصيات غنية بالوصف:*
"واختلط صوت الضابط الصارم الآمر بضحكة ندت عن الطفل، وبلغت مسامع الجنود الخمسة، فتذكـر الأول زوجته الجميلة حين تضحك، وتذكر الثاني سريره قرب نافذة تطل على نهر، وتذكر الثالث شارعاً مشجراً يمشي فيه مثرثراً مع صديق، وتذكر الرابع يوم كان صغير السن يعلمه أبوه صيد السمك على شاطئ بحر، وتذكر الخامس أمه تكبر في السن فجأة حين مرض."*
هذه الضحكة الآسرة إذاً أعادت إلى ذاكرة الجنود كل ما هو خصب ودال، وكل ما هو إنساني، لقد مارست دور السحر، لذلك ليس غريباً أن يطلق القاص على قصته اسم "الساحر"، ويقدم لنا من خلال ستة عشر سطراً قصة تختلط فيها الجزئيات الصغيرة الدالة بسحر الضحكة التي تختلط بدورها بسحر العنوان واللغة البديعة.
رابعاً ـ معيقات رسم الشخصية القصصية الناجحة:
ثمة في رسم الشخصية في القصة القصيرة جداً بعض المحاذير التي تعيق انسيابها وسلاستها ووصول دلالتها إلى القارئ، فالشخصية هنا شخصية برقية، تركز على الوصف الداخلي أو الخارجي، أو غير المباشر، وقلّ أن يجمع القاص بين طريقتين لتقديمها، حتى لا يصيبها ترهّل لا يتناسب مع حجم النص.
إضافة إلى ذلك فإنّ ثمة أساليب لغوية وحكائية يمكن أن تحدّ من دلالة الشخصية على نحو استخدام اللغة التقريرية في تقديم الشخصية، أو المقاربة الشديدة جداً بين البطل وشخصيته، أو تنميط الشخصية الذي يجعل كل أفعالها متوقعة للقارئ.
• • في اللغة التقريرية تنوب العبارات التي تقدّم ملامح الشخصيات بشكل مباشر، عن الطرائق المختلفة المستثمرة في بناء الشخصيات، وتغتصب حقّها في أن تقدّم نفسها من خلال سرد انسيابي، مما يُشعِرُ القارئ بأن الكاتب يمارس عليه سطوة قهرية لقبول هذه الملامح، دون أن يتيح له استنتاجها، ولعلنا نشير هنا إلى النصف الأول من قصة "خطأ" لتوفيق بوشري، إذ تبدو الشخصية مقدّمة بطريقة تقريرية تهدف إلى إقناع القارئ بصفاتها، دون إعطاء فرصة للسرد القصصي أن يقدّمها بشكل مقنع.*

ايوب صابر 12-01-17 12:52 PM

عبد الرحيم مؤذن نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 08 - 10 - 2010

تجسد الشخصية رهان التجربة الفنية على اختلاف موادها وأساليبها واتجاهاتها. والإقتراب منها يقوم على ضوابط محددة يتداخل فيها الواقعي بالمتخيل، والكائن بما يجب أن يكون. وعلى ضوء ذلك نسجل الحقائق التالية:
أ- الشخصية عماد كل الفنون، بما فيها الفنون الزمانية، كما يسميها البعض، أو الفنون المجردة كمايسميها البعض الآخر، مثل الموسيقى. (السمفونية التاسعة ل»بتهوفن» تبلغ أوجها في المقطع الشعري ل»شيللر»الذى جسد الإنسان الكوني الباحث عن قيم الحب والفرح والسمو عن كل الأحقاد.)
ب- ومن ةالبديهى أن نفرق ، في هذا السياق، كما ورد في العديد من المناهج، بين الشخص وبين الشخصية. بين الكائن المصنوع من لحم ودم، وبين الكائن المصنوع من ورق ومتخيل ونصوص أو مواد معينة، بين الكائن « التاريخي» المنتمي إلى مرجع متداول من سجلات ومدونات وتقييدات ، وبين الكائن النابع من فضاء نصي يمنحه وجوده الشرعي.
غير أن ذلك لايمنع من وجود علاقات التواصل بين الشخص والشخصية. فالشخصية قد تأ خذ القليل أو الكثير من الشخص، والعكس بالعكس صحيح، ولكنها في الوقت ذاته تتجاوز ماهو كائن إلى ما يجب أن يكون، إلى المحتمل عوض الإكتفاء بالثابت، إلى الحلم قبل الواقع. (لنتذكر ما قاله أرسطو في كتابه فن الشعر عن الفرس بقوائمه الثلات عوض الأربع_ قولة قدامة بن جعفر الشهيرة في كتابه فن الشعر عن المستحيل المفنع خير من الممكن الذي لايقنع..).
ج- الكائن في النص الإبداعي قد يكون إنسانا، حيوانا، نباتا، جمادا.. قد يكون كل ذلك ، أو بعضا من ذلك. وهو، سواء كان هذا أو ذاك، يحمل القليل، أو الكثير، من ملامح خالقه، أو مايطمح إلى خلقه وتشخيصه. ف»ناقة» طرفة بن العبد تختلف عن باقي النوق بحكم امتلاكها لنوع من الوعي يخول اختبار فحلها عند الضراب، وعند رعيها بالمرعى الجيد، وهي مختلفة عن باقي النوق تكوينا وجسدا الذي يشبه هيكل قنطرة الرومي، وقبل هذا وذاك، تتعاطف هذه الناقة مع الشاعر حزنا وفرحا وغضبا.. والخلاصة أن هذه الناقة تتجاوز الحيوان والإنسان أيضا، لتصبح شخصية قائمة الذات تجسد طموح الشاعر لتحقيق عالم فاضل يستند إلى قيم الجمال والوحدة والقوة والتوحد كما أشارت إلى ذلك بعض الدراسات والاجتهادات في هذا المجال. ومن ثم فالفنان قد يجعل من الشخصية أداة لحمل ما يحس به في لحظة محددة، أو مرحلة معينة. من منا لم يتعاطف مع لوحة « فان جوخ» التي حملت حذاء مهملا بسيور مندلقة على الجانبين بإهمال واضح، ومقدمة الحذاء تحلق في الفراغ مثل جمجمة باردة..
د- ومعنى ذلك أن الشخصية في أوضاعها المختلفة، في محاسنها ومساوئها، في مركزيتها أو هامشيتها، أقول: إن هذه الأوضاع هي منظور الفنان قبل أن تكون منظور الشخصية دون أن يمنع ذلك من امتلاك الشخصية لهويتها الخاصة بعد أن كسيت لحما وعظما، وحملت طبائعها الخاصة التي أصبحت متحكمة في مسلكياتها وعواطفها.. وفي كل الأحوال تظل الشخصية مدينة بالولاء لصانعها، بل إن رسم الرسام لذاته»البورتريه» هو رؤية ذاتية في لحظة معينة. والدليل على ذلك اختلاف « البورتريهات» باختلاف اللحظات، واختلاف مراحل العمر. (بورتريه «فان جوخ «بين البداية والنهاية، هاملت شكسبير وهاملت رومان بولانسكي، عطيل شكسبير وعطيل أورسون ويلز، بتهوفن جان لوي بارو وبتهوفن المخرجين المتأخرين...الخ).
الشخصية في القصة القصيرة
سأنطلق من تجربتي الشخصية- وهي تربو على العقود الثلاثة- مسجلا الملاحظات التالية:
أ- لا وجود لوصفة جاهزة ترسم على ضوئها ملامح الشخصية القصصية. ومن ثم لاوجود لثوابت نظرية، أو فنية، تتحكم في بناء شخصية ما. وإذا كان من الطبيعي استفادة الكاتب من تجارب متعددة، فإن ذلك لايعني وجود «دليل» ما لرسم شخصية محددة. فالشخصية تولد من رحم النصوص، وتعيش حياتها بالطول والعرض داخل هذه النصوص، بعد أن يشتد عودها، ثم تأتي الكتابات النقدية، والنظرية عامة، لنمذجة ما هو وارد في هذه النصوص في انتظار خلق شخصيات أخرى.
ب- وتكون شخصية ما قد يكون نتيجة لحظة غير متوقعة، أو قد يكون نتيجة متابعة واستقصاء وتخطيط ورسم لمختلف ملامحها ومكوناتها.. قد تحضر فجأة وتغيب فجأة في دوامة اليومي وإكراهاته إلى أن تنبع من جديد في سياق جديد، وقد حلت في شخصية جديدة. وهي، في كل الأحوال، حاضرة في وجدان الكاتب، في النوم واليقظة، لاتتركه بسلام إلا بعد الإنتهاء من رسم ملامحها الأولى التى تأخذ في النمو التدريجى، إلى أن تكتمل عناصرها في نص محدد، أو قد لا تنتهي إلى هذا الإكتمال إلا في نصوص تالية، بعد أن حلت في شخصيات أخرى وصارعتها على الوجود داخل نص محدد، وفي أوضاع محددة.
ج- لاتنفصل الشخصية، إذن، عن فكر الكاتب وتعدد تجاربه. فتجاربنا الأولى كانت، في معظمها، مجرد محاكاة، بالمعنى الساذج، لشخوص صادفناها، بطريقة أو بأخرى، في حياتنا اليومية. ويرجع ذلك لأسباب عديدة منها ما هو مرتبط بمحدودية التجربة الحياتية ذاتها، ومنها ما هو «نوستالجي» عبر الحنين إلى مرجعيات محددة من خلال شخصيات معينة ظلت موشومة في ذاكرتنا، ومنها ما هو مرتبط بخلق مصداقية معينة بحثا عن متلق أو قارئ محدد. وبنطور التجربة الحياتية والإبداعية للكاتب، تصبح الشخصية منحوتة من تركيبة جديدة تجمع بين الواقع والخيال، الوهم والحقيقة، التوهم والإيهام... وتصبح ملامح الشخصية مزيجا من أسئلة الواقع وأسئلة الكاتب، بين ماهو كائن وبين ما يجب أن يكون.
د- ومن الثوابت اختلاف الشخصية في القصة القصيرة عن غيرها في أجناس إبداعية أو فنية مختلفة. ولو حاولنا المقارنة بين جنسي القصة القصيرة والرواية، في هذا السياق، لوجدنا الآتي:
- تتميز بنية القصة القصيرة بالانغلاق والانفتاح في آن واحد. الانغلاق ينسحب على المساحة النصية، وينعكس، في الوقت ذاته، على باقي المكونات، ومنها مكون الشخصية. أما الانفتاح فيتجسد في الدلالة التي تمثلها القصة القصيرة . فهي مجرد شجرة، ولكنها تعادل الغابة، وهي الوردة والبستان في آن واحد، وهي اللحظة ولكنها تعادل الكينونة. أما الرواية فهي الانفتاح الواسع على الزمان والمكان، والتعدد في الشخصيات والوقائع، والتنوع في الأساليب سردا ووصفا وحوارا وتحليلا واستنبطانا ونقدا..
- القصةالقصيرة فن ذاتي. إنها نص المتكلم بامتياز. اللسان الناطق للجماعة المغمورة، أو المهمشة (فرانك أوكونور). والمتكلم، في هذا المجال، قد يكون شخصية حاكية، أو محكي عنها. وبالمقابل نجد الرواية فنا موضوعيا منتميا إلى الجماعة تسهم فيه كل الشخصيات.
- في القصة القصيرة بحث دائم عن شئ مفقود في الطفولة?أو في زمان ومكان ما. أو قد يتعلق ذلك برغبة، أو حرمان مادي أو معنوي. من هنا تشرع القصة القصيرة في استرجاع هذه اللحظات ويتم إيقاف الزمن والإنطلاق في تبئير اللحظة أفقيا وعموديا. في الرواية نجد الزمن التاريخي، زمن الجماعة الإنسانية المتناسلة عبر التاريخ.
- الشخصية في القصة القصيرة واحدة ووحيدة. مفردة، متمردة، عاقة. وفي حالة وجود شخصية أخرى، في النص ذاته، فإنها تمارس السلوك ذاته. أما في الرواية، فالشخصية تتحرك عبر تمثيلها لفئة، أو طبقة اجتماعية محددة.
- الحدث في القصة القصيرة، عند ارتباطه بالشخصية، صاعق، سواء كان مركزيا أو هامشيا، خبرا بسيطا، أو حدثا مزلزلا. والحدث قد يكون وراء مأساة الشخصية، أو وراء سعادتها، مؤسسا لعقدة القصة بصفة عامة.
- غير أن العقدة قد تكون الشخصية ذاتها التي تحمل رأسها الكبيرة (دوبل طيط)، أو لازمة محددة تكرر في مواقف معينة، أو رغبة جارفة لاتقاوم. فى الرواية نجد الحبكة القائمة على نظام معقد تتشايك فيه مكونات عديدة.
- لاتقدم الشخصية، في القصة القصيرة، إلا من خلال جزئية دالة، بخلاف الشخصية الروائية المتسمة بالشمولية.
في قصة قصيرة كتبتها في الثمانينيات تحكمت فيها حالتان:
ا- الرجل والكمان: وفي هذه الحالة كان الكمان أداة للحلم والحوار والفرح.
ب- الكمان والرجل: وهو مقطع يجسد العجز واللاتواصل، وينفتح صندوق الكمان ليتحول إلى تابوت صغير يدخله الرجل بعد أن ترك الكمان وراء ظهره.
- الشخصية، في القصة القصيرة، قد تكون إنسانا أو حيوانا أو نباتا. وهى، في كل ذلك، قد تنطق بالحكمة، أو الكلام الغريب. وقد تحمل اسما، أو قد تكتفي برمز معين، سواء كان حرفا، أو رقما. في قصة عنونتها ب»الحلم والواقع» حملت الشخصية حرف المجهول (س) بهدف التعبير عن المشترك بيننا جميعا. وما تعرضت له الشخصية ينسحب على الجميع.
- الشخصية في القصة القصيرة تمتلك لغتها الخاصة، علما أنها قد تنطق بصمت عن طريق البياض، والفراغات والعلامات والشفرات. في الرواية يظل كلام الشخصية مشدودا إلى الوشم الجماعي الخاضع لتقاليد التواصل في اللغة والكلام. وبالمقابل نجد لغة القصة القصبرة الهامسة الحميمية المتداولة بين الناس. السرد في الرواية يشبه النهر الصامت، على مستوى السطح، ولكنه مليء بأساليب ومحكيات الذين عبروه يوما ما.
- تطل علينا الشخصية في القصة القصيرة من خلال بناء من زجاح يعرض كل شئ من جهة، وهو، من جهة ثانية، قابل للكسر والتجدد المتواصلين. أما بالنسبة للرواية، فالشخصية تتموقع وراء بناء من حجر وإسمنت وحديد، لايسمح بالتعرف على الشخصية إلا بعد نحت وتعرية.
- أخيرا، وليس آخرا، الشخصية في القصة القصيرة، وبالرغم من صدورها عن سارد معين، تشعر القارئ بأنها تتحكم في وجودها داخل النص بعيدا عن سلطة السارد، بل قد تتمرد عليه لسبب أو لآخر (انظر قصة « وتلك قصة أخرى» التي أصدرتها في أوائل التسعينيات من القرن الماضي). وهذا يعود، في جوهره، إلى رفض « النمطي»، العدو اللدود للقصة القصيرة. وبالإضافة إلى ذلك، تطرح هذهالوضعية إشكالية الكتابة بصفة عامة عند محاولة الكاتب تشكيل شخصية ما (انظر قصة « اللوح المحفوظ « لأحمد بوزفور).
يموت الكاتب، وفي نفسه شئ من شخصية معينة قد تحمل القليل، أو الكثير، من هواجسه وأحلامه، قوته وعجزه... لا وجود لشخصية مكتملة أو نهائية، بل إن كل شخصية تخرج من بين أصابع الكاتب هي مجرد زاوية من الشخصية التي ما زالت في طور البناء، او الكتاية.

ايوب صابر 12-01-17 02:03 PM

تابع ...الشخصيات في القصة القصيرة ....
الشخصيات والتي هي الأساس في العمل القصصي ككل ... والتي تخلق المواقف المختلفة في كل قصة ...بكل صراعاتها واختلافاتها ومفاجآتها ...
من : مجدولين من موقع طرب الياسمين

كيف ومن أين يحضر كتاب القصة شخصياتهم القصصية ؟...

هذا سؤال مهم ...

يقول " وت بيرنت " للكتاب الشباب : ابدأ بملأ خزان أفكارك بكلِّ مايمكنك أن تجمعه من شخصيّات في حياتك ، لتستخدمها في المستقبل ، وحين يمتليء الخزان ، افتح البوابات ودع الفيضان يسيل لما أنت على استعدادٍ له ، وحين تفعل ، افعله بجرأة "
نعم بكل ماتملك من جرأة ...فهذا ماتحتاجه لكتابة قصّة جيدة ...
لاتنسى أنَّ القصة القصيرة لاتحتاج إلا إلى شخصيَّة واحدة يتم التركيز عليها بعناية
الشخصيات ستكون موجودة في خيالك ..أو بالجوار ...أناسٌ تعرفهم منذ زمن ..أو قابلتهم فرسخ شيء من قَسماتهم أو سماتهم في ذهنك .....وقد لايكون للشخصيَّة وجود إلا في خيالك ...
ليس من الضروري أن تحمل الشخصية الحقيقيَّة كماهي إلى قصتك .... زيِّنها بماتريد من صفات وملامح من خيالك ...ولكن دعها تحتفظ بنفس مواصفات الشخصيَّة ...أي اجعلها تبدو شخصيَّة إنسانيَّة حقيقيَّة مهما أضفت إليها من تغييرات خارجيَّة أو داخليَّة ..
قد تكون للشخصيَّة الخياليَّة التي تخترعها نقطة تقاطع مع شخصيَّة حقيقيَّة تعرفها.. أو قريبة منك
لاتنسى أنَّ الشخصيَّة تحتاج إلى أن تنمو حسب الدور الذي وضعتها فيه ..
تقول كاترين آن بورتر : " سرْ بصحبة شخصيَّاتك كأنَّك تراها بعيْن خيالك تعيش وتتطور كأنها تعيش في الواقع ، ثمَّ احك قصتها بكلِّ الصدق والتعاطف والجديَّة قدر ماتستطيع "
هناك أمرٌ مهم يتعلق بأسماء الشخصيَّـات ...عن ذلك كتب أندريه مور يقول : " إنَّ الحياة تبدأ بالأسماء "..
اعمل على تسمية الشخصيَّة بالإسم الذي يناسبها من حيث بيئتها وخلفيتها.. ومكان وجودها ..والدور الذي تؤديه في العمل القصصي ...
رواية الأحداث بلسان الشخصيّـة يعطيك الفرصة لتركِّز على أفكار ومشاعر ذلك الشخص ...فنقل إحساس شخصيَّة واحدة يكون أسهل ....
أماإن كنت تريد أن تغطي وجهات نظر عديدة فهنا يكون ضمير الغائب أكثر فائدة لك ..
لاتهتم بوجهة نظر الشخصيـَّة بنفس القدر الذي تهتم فيه بالبحث عن الدوافع والأسباب لتصرفات الشخصيـَّة ....اجعل تركيزك منصبا على هذا الموضوع بحيث يشعر القاريء بأنَّ أيَّ تفسير آخر غير ماقدمته ليس ممكنا .
ومن المهم أن يكون هناك حوار ...اقرأ الحوار الذي وضعته لشخصياتك بصوتٍ عالٍ ..لاحظ النغمات ..واختر الكلمات المناسبة ..واحذف أي إضافة لافائدة منها...
وأخيرا ولكي تجعل شخصياتك مميَّزة ....إليك هذه النصيحة من أحد الكتاب المرموقين : دع شخصياتك تتحدث عن نفسها..واجعل شخصيَّات أخرى تتحدث عنها بشكل جيِّد أو رديء لتتضح معالم الشخصيَّة أمام القاريء ..
لاتلبس شخصيتك ثوبا لايليق بها ...اجعلها تبدو طبيعيَّة وتلقائية في تصرفاتها...
حاول أن تتخيَّل موقف الشخصية ...وتتخيَّل ردود أفعالك تجاه الموقف الذي وضعتها فيه ..اجعلها تتصرف كما كان يمكن أن تتصرف أنت لو كنت مكانها ..حتى لو كان التصرف خاطئاً أو غير صحيح ..
وملاحظة أخيرة جدا ...إن طال الزمن في قصتك فتذكر أن الزمن يمر بالشخصيات أيضا...فضع بصمة الزمن عليهم ..فهو يمر بهم ..كمايمّر بنا ...
يقول ترولوب " في آخر يومٍ من كلِّ شهر فإنَّ كلَّ شخصٍ في القصة الخياليَّة لابدَّ أن يكون قد كبِر شهراً أيضاً "

ايوب صابر 12-01-17 02:41 PM

تابع ....الشخصية في القصة القصيرة

بناءَ الشخصية فِي القصة القصيرة
خليفة بباهواري


الكتابة القصصية ممارسة للحكي ولا يُمكن للحكي ان يُوجد خارِج دائرة الافعال ولا يُمكن للافعال ان تتحقق دون وجود مِن يفعلها هَذا ال "من" هُو ما يصطلح عَليه فِي الدراسات الادبية بالشخصية.
واذ لا يُمكن وجود رِواية أو قصة أو مسرحية خارِج الزمان والمكان فلا يُمكن وجود رِواية أو قصة أو مسرحية بِدون شخصيات.
واذا كََان وجود الزمان والمكان افتراضيا فِي العديد مِن الاعمال الروائية والقصصية والمسرحية فإن نفْس الافتراض لا يُمكن ان يهم الشخصية.
1-ما هِي الشخصية؟
يُمكن مقاربة موضوع الشخصية مِن مجموعة مِن الزوايا المختلفة اعتمادا علي المدارس النقدية الَّتِي تاسست لمقاربة الاعمال الابداعية يمكن ان نعتمد علي البنيوية أو علي الوظيفية أو علي النقد اللساني أو علي النقد النفسي أو علي النقد الاجتماعي ويمكن ان نعتمد علي كَُل هَذه المدارس فِي ان واحد.
لكِن اختلاف المقاربات أو زواية الولوج الي العمل الادبي لا يُمكن ان يغيرِ كَثِيرا مِن تثبت معالم موحدة تساهم فِي التعريف بالشخصية.
فالشخصية اولا وقبل كَُل شيء مكون رِئيسي وركيزة اساسية لكُل عمل سردي والشخصية فِي هَذه الحالة تلعب دورا بنيويا أو وظيفيا يوازي دورِ البنيات الاخرى: الزمان والمكان والاحداث

ويعرف رِولان بارت الشخصية ب "أنها ناتج تركيبي يُمكن ان يتَكون مِن مجموعة مِن السيمات الَّتِي تتكررِ فتَكون تركيبة قادرة أو تركيبية معقدة عندما تضم علامات متناسقة أو متنافرة وهَذا التعقيد أو هَذا التعدَد هُو ما يحدد شخصية الشخصية".
ويمكن ان نجد لهَذا التعريف مرجعية فِي اعمال كَُل مِن يروب وسوريو وغريماس فهَذا الاخيرِ الَّذِي انطلق مِن اعمال الاولين يقدم الشخصية كَنموذج نحوي يبني كَيانه مِن خِلال علاقاته التركيبية والجذرية أو الصرفية وانطلاقا مِن ذلِكَ حدد غريماس نموذجه الفاعلي المتَكون مِن ستة فواعل.
ويتركز الاختلاف بَين تعريف بارث وتقديم غريماس حَول اعتبارِ الشخصية لذاتها أو لوظيفتها
بالاضافة الي ان بارث يفرق بَين الشخصية و"الهيئة"
يقول بارت: "كهيئة
يمكن للشخصية ان تتارجح بَين دوري دون ان يَكون لهَذا التارجح أي معنى" 2)

2-صياغة صناعة الشخصية.
يقول الدكتورِ عز الدين اسماعيل: "ان الشخصيات ذاتها فِي القصة نوعان: نوع يُمكن ان نسميه "الشخصية الجاهزة" وهي الشخصية المكتملة الَّتِي تظهرِ فِي القصة حيت تظهرِ دون ان يحدث فِي تكوينها أي تغييرِ وإنما يحدث التغييرِ فِي علاقتها بالشخصيات الاخري فحسب اما تصرفاتها فلها دائما طابع واحد
والنوع الثاني يُمكن ان نسميه "الشخصية النامية" وهي الشخصية الَّتِي يتِم تكوينها بتمام القصة فتتطورِ مِن موقف لموقف ويظهرِ لَها فِي كَُل موقف تصرف جديد يكشف لنا عَن جانب مِنها" 3)

سنحاول ان نفهم قولة الدكتورِ عز الدين اسماعيل فِي اتجاهين:
اولا يُمكن اعتبارِ "الشخصية الجاهزة" و"الشخصية النامية" مِن حيثُ تقديمهما بنيويا

ا يُمكن للقاص ان يقدم شخصيته الجاهزة دفعة واحدة وهَذا النوع اصبح نادرا فِي القصة القصيرة المعاصرة لسببين اثنين اولهما ان القاص يجتنب تقديم الشخصية فِي القصة كََما هِي فِي الرواية عَن طريق الوصف الدقيق وانشاءَ بطاقة هوية للشخصية تاركا للمتلقي عملية جمع المعطيات الخاصة بالشخصية وتركيبها
وثانيهما ان جزءا كَبيرا مِن القصص تَحْتل فيها "انا" الموقع الاساسي كَشخصية.
وللتمثيل علي هَذا النوع مِن الشخصيات ناخذ قصة "حالتان" لعثمان اشقرا الَّذِي يقول فِي بِداية قصته: "كل صباح مِن صباحات الله الصافية يخرج بلخيرِ حارس الدارِ الكبيرة وخديمها أمام الباب الكبيرِ ويجلس فِي ابهة فَوق المصطبة الملوسة والبهية.
وهَذا منذُ ان رِحل اهل الدارِ الكبيرة جميعا.
وتبدل الحال الَّذِي علي اية حال لا يدوم علي حال.
.." تهرنطت وترهطت الحبيب ديالي.
فلنسال مِن الله العافية !".
يلبس بلخيرِ جلبابا سوسديا وينتعل بلغة فاسية يتبدل لونها حسب ايام معلومة فِي الاسبوع ..
أنا عبد كَناوي البس فِي كَُل اللباس الَّذِي يواتيه ...)" 4).
يقدم لنا عثمان اشقرا كَُل المعلومات الضرورية عَن الشخصية حيثُ يعطينا الاسم بلخير
والصفة حارس الدارِ الكبيرة وخديمها ومستوي التعامل اللغوي. تهرنطت وتهرطت الحبيب ديالي واللباس الجلباب والبغلة الفاسية ومكان الاقامة فاس وامتداد الهوية اللون واسلوب العيش والتعامل: أنا عبد كَناوي.
وفي هَذا الاطارِ يصبح إستعمال الاسم علامة مميزة كََما هُو الشان بالنسبة ل "كارولين" فِي قصة "في تلكَ البلاد" لادريس الخوري 5 حيثُ يكتفي القاص باسم هَذه المرآة لتقديمها كَشخصية غَيرِ محتاجة لاي تعريف آخرِ اللهم مِن اشارة بسيطة الي لباسها "مساءَ الخير" قالت كَارولين
وكَانت تلبس ثوبا اسودا مِثل ارملة لكِن الثوب كَشف عَن بياضها المخزون".
ويمكن للاسم ان يرتبط بالشخص كَعلامة أو صفة
ويمكن ان يعوض الاسم بصفة مِن صفات الشخصية
في قراءته لمجموعة "معاييرِ قابلة للتغيير" للقاص المهدي الودغيري يشيرِ سعيد منتسب ان" هُناكَ خاصية اخري فِي هده المجموعة لابد مِن الانتباه اليها, وهي الشخصيات
كل الشخصيات بِدون اسماءَ ولا ملامح لها
بئيسة وشائخة ومترهلة ليس فيها رِوح كَالمومياء
تتجول فِي مسرح بارد الديكورِ والخلفيات
بدون عمق
بدون دواخل
كالَّتِي نصادف كَُل يوم
بدون ان نهتم بالجانب المظلم والمتخفي فيها
هي مجرد صفات أو رِموز أو حيوانات "المنظر-الكاتب-المؤلف-السيد-الموظف-الماكد-الامين-الحاكم .. الخ" 6
ب بالنسبة "الشخصية النامية" فِي هَذا النوع مِن التاويل فَهي تقدم تدريجيا للقارئ علي طول القصة
ومثال ذلِكَ شخصية البنت الصغيرة فِي قصة "في انتظارِ النوم" لمحمد زفزاف 7 وهي شخصية تقدم للقارئ عَبرِ مراحل
ففي البِداية نعرف أنها طفلة ونعرف أنها يتيمة
اذ مات ابوها منذُ سنتين
ثم نعرف بَعد نِهاية الفقرة الاولي ان اسمها "سرور"
وأنها تبلغ السابعة مِن العمرِ وان شعرها اسود كَشعرِ امها فِي الفقرة الثالثة
ونعرف أنها صبية عنيدة فِي الصفحة الثالثة مِن القصة.
ثانيا: يُمكننا تاويل قولة الدكتورِ عز الدين اسماعيل معتبرين:
ا ان الشخصية الجاهزة هِي شخصية ماخوذة مِن واقع ما أو مِن عمل ادبي ما دون ان يتصرف فيها القاص
ويمكن ان تَكون بذلِكَ شخصية مكرورة وشخصية متنقلة
في قصة "الجثة أو القتل المتبادل" 8)
يقول ابو يوسف طه:
"ما ان رِفع الرجل عينيه عَن ذؤابة السيكارة
الَّتِي ينهمكَ فِي اشعالها حتّى بادره الاحدب ذُو الانف الضخم:
اتاذن لِي بالجلوس؟"
ويلي هَذا التقديم وصف للاحدب لا يخرج عَن المتعارف عَليه ادبيا فِي وصف هَذا النوع مِن الشخصيات: "تفرس فِي وجه الاحدب.
الزبيبة الخبيثة علي الحنكَ الايمن
الشفة السفلي الغليظة
الاسنان المتراكبة
اليدين اللتين تشبهان الضدفدعتين" مما يحيل مباشرة علي كَازيمودو احدب نوتردام فِي Notre Dame de Paris لفيكتورِ هوجو.
ب وان الشخصية النامية هِي الشخصية المركبة أو المتطورة أو الَّتِي لا تكتمل ملامحها الا مَع نِهاية القصة
ويعتبرِ شرف الدين مجدولين هَذا النوع مِن الشخصيات مرتبطا بتطورات العالم المعاصر
يقول: "تمثل الصلات المفترضة بَين الذوات الانسانية انشغالا مركزيا فِي حقل الجمالية السردية
فالجوهرِ الحقيقي للشخصيات الروائية والقصصية والسينمائية يكمن فِي قدرتها علي ترجمة وعي "خاص" بالاخرين
وتهنئة مجال رِحبي للمارسة التاويل الذاتي ل"الكيانات" الغربية
وتقديم حقل مثالي لمجاوزة الضرورة فِي استجلاب مهارة البيان ومقومات الايهان ومكونات التمويه والتلاعب التصويري" 9).
فالشخصية القصصية الَّتِي اصبحت تبدو معقدة أكثرِ فأكثرِ تترجم نوعا مِن الوعي بالواقع الَّذِي اصبح بدوره أكثرِ تعقيدا

وقد اثرت الكتابة الغرائبية كَثِيرا علي تصورِ الشخصية
حيثُ انتقلت عدوي غرائبية الاحداث الي الشخصية
وقد حاولنا فِي مقاربتنا لقصة "لزوم ما يلزم" للقاص محمد ادارغة تحديد شخصية "الشبح" بكونه "يظهرِ فجآة وبدون سابق انذارِ ويستفز السارد فِي بِداية حواره معلنا صداقة قديمة" وبكونه "يتعامل فِي البِداية مَع السارد بنوع مِن الهدوء والاحترام الَّذِي يتحَول فيما بَعد الي صراع مفتوح" 10)

3-غياب الشخصية


كَتب مباركَ رِبيع قصة "الرجل السنفوني" 11 بِدون احداث وبدون شخصيات رِغم ان عنوأنها يوحي بوجود رِجل مِن نوع ما
حيثُ بني كَُل قصته علي وصف محتويات غرفة بسيطة
فهل يُمكن ان تَكون هُناكَ قصة بِدون احداث وبدون شخصيات تصنع هَذه الاحداث بالطبع لا
والا فما كََانت هُناكَ قصة
من قص يقص أي يحكي
ولا يُمكن للحكي ان يَكون الا إذا وقع واقع
ولا يقع الواقع
الا إذا اوقعه شخص ما أو شيء ما.
وهَذا "الشيء ما" هُو ما حاولت الرواية الجديدة ان تصل اليه
يقول لوسيان كَولدمان متحدثا عَن الآن رِوب-كريي: "بالنسبة لَه ايضا
فاختفاءَ الشخصية امرِ مقررِ سلفا حيثُ استبدلت الشخصية بواقع آخرِ مستقيم ... عالم تتسيء الكائنات
وكَما يبحث هُو أيضا عَن الواقع الانساني
فانه يلاحظ ان هَذا الواقع الَّذِي لا يُمكن ان يُوجد فِي البنايات العامة كَواقع تلقائي محسوس مباشرة
لم يعد بامكانه ان يُوجد الا إذا تجدد داخِل بنية وخاصيات الاشياء" 12).
بالنسبة لنا هَذا الاختفاءَ ليس سوي مواربة أو تغييرِ للملامح.
وبذلِكَ فمع غياب الشخصية فاننا نكون أمام احتمالين: اما اننا نقوم لتشخيص الاشياءَ ونرجع الي تحليل فلادميرِ بروب لشخصية الحكاية الروسية حيثُ تصبح الحيوانات والاشياءَ عبارة عَن فواعل وبالتالي عبارة عَن شخصيات
واما يصبح السارد الفوقي la narrateur omniscient شخصيته الرئيسية دون ان يشيرِ الي ذلِكَ ويَكون فعله هُو المشاهدة فقط.
واذا رِجعنا الي قصة الرجل السمفوني لمباركَ رِبيع نقرا: "الغرفة ضيقة أو تضيق"
ونقرا: "امام النافذة مقعد وثيرِ متحرك
ومكتب تغطيه قطعة زجاجية بحجمه
تلتق به
وعلي امتداد المكتب مِن الجانبين الطاولتين
تقاطع كَُل مِنهما طاولة أو عدة طاولات
ملتصق بَعضها ببعض
تبدو متكاملة".
ونقرا: "لا يُمكن الجزم بحالة الطاولات المتلاصقة مِن حيثُ نوعية التكوين وطبيعة المادة
العين لا تري مِنها شيئا بسَبب ما تلاصق علي صفحاتها مِن اجهزة تسجيل" ونبدا مِن المقطع الاخيرِ لنتسائل عَن هَذه العين الَّتِي لا تري شيئا
فاي عين هِي ولمن هِي ونعود الي الجملة الاولي فِي القصة "الغرفة ضيقة أو تضيق"
فعلي مِن تضيق
خصوصا وان هَذا الفعل لَم يتبعه تدقيق يحدد معناه فنعتبرِ ان هُناكَ شخص حاضرِ غائب كَُل الاشياءَ الموصوفة متعلقة به.
4 الشخصية والواقع:
ا يقول ميشال بوتور: "يعلم كَُل منا ان الروائي ونقبس عَليه نحن القاص بَين اشخاصه
شاءَ ام ابى
علم بذلِكَ أو جهله
انطلاقا مِن عناصرِ ماخوذة مِن حياته الخاصة،
وان ابطاله ما هُم الا اقنعة يروي مِن ورائها قصته ويحلم مِن خِلالها بنفسه" 13).
ويوافقه الراي فرانسوا مورياك
ويتحدث هَذا الاخيرِ عَن الروائيين وندمج معهم القصاصين قائلا: "الشخصيات الَّتِي يخترعونها ليست بتاتا مخلوقة
اذا الخلق ايجاد شيء مِن لا شيء
فمخلوقاتنا المزعومة مكونة مِن عناصرِ ماخوذة مِن الواقع ونحن نرتب
بنوع مِن الدقة
ما تقدمه لنا ملاحظة الاخرين ومعرفتنا بانفسنا" 14).
فسواءَ كََانت القصة واقعية أو لا فالشخصية هِي نتاج بشَكل أو باخرِ لواقع القاص ولمحيطه القريب أو البعيد.
ب هُناكَ علاقة مِن نوع آخرِ للشخصية مَع الواقع
فقد استطاع بَعض الادباءَ تكوين شخصيات غَيرِ عادية خلقت لنفها مكانا فِي الواقع وكأنها اشخاص مِن لحم ودم
الي درجة جعلتها تعاود الظهورِ فِي اعمال ادباءَ اخرين كََما لَو كََانت شخصيات ماخوذة مِن الواقع أو لدرجة أنها اتخذت مكانا لَها بَين الناس الَّذِين اصبحوا يقلدونها
يقول بيترِ بران فِي تقديمه لقصة توركينيف الطويلة "الحب الاول": "قدم تولستوي ملاحظة حَول النساءَ البطلات اللواتي نجدهن أيضا عَن تركينيف فِي اعماله فقد بدات تظهرِ فيه"
وزينايدا بطلة القصة هِي أيضا مخلوقة ادبية تجسدة الامكانيات المثالية لوضعية المرآة وفي نفْس الوقت واقعية سامية
هي اذن امرآة مثالية وواقعة فِي نفْس الوقت حسب تعبيرِ فلوبير" 15).
ج "انا" كَشخصية واقعية
هل يحكي القاص فعلا عَن نفْسه عندما يتحدث بضميرِ "انا" فِي القصة ام ان "انا" هِي شخص آخرِ

فهُناكَ ثلاث مستويات فِي تقديم الانا فِي الكتابة السردية:
المستوي الاول: اعتبارها شخصية كَباقي الشخصيات الاخري ودورها فِي السرد لا يعطيها أي ميزة أكثرِ مِن الشخصيات الاخرى
وتَكون بذلِكَ فاعلا مِن بَين الفواعل الاخري فِي الاحداث ولا يُمكنها تجاوز نسبة سيطرتها علي واقع الاحداث
في هَذا الاتجاه يصيرِ ضميرِ "انا" مرادفا لاسم وهوية
"في الحكي
يقول بارت
انا لا تبقي ضميرا بل تصيرِ اسما
افضل الاسماء
ومن يقول أنا يعطي بالضرورة لنفسه مجموعة مِن المضامين ويمنح لنفسه مساحة سيرِ ذاتية" 16).
المستوي الثاني: يصبح السارد شخصية شاهدة علي الاحداث وتفاعلاتها
ويمكن ان يساهم اولا فِي هَذه الاحداث
وبذلِكَ يَكون شاهدا بالمعني الصحيح
تتحدث فيرونيكَ انكلارد عَن السارد الشخصية عِند دينوبوزاتي قائلة: "كشاهد علي الحدث يكتفي الشاهد بالملاحظة ويحكي ما وقع دون ان يشاركَ فيه" 17).
المستوي الثالث: يتحَول السارد الشخصية الي فضولي ويتجاوز دوره كَاحد الفواعل فِي القصة
ويقترب مِن دورِ السارد المتخفي الَّذِي يحكي عَن "هو" ونراه يعرف أكثرِ مما تعرف الشخصيات الاخرى هَذا الانزلاق اصبح يختفي خصوصا مَع بِداية سيطرة التجريب علي الكتابة القصصية.
خاتمة:
نؤكد علي ان ما تنولناه ليس الا جزءا يسيرا مِن العمل الَّذِي يُمكن ان ينجز لمقاربة الشخصية فِي القصة القصيرة فهُناكَ العديد مِن المحاورِ الَّتِي لَم نستطع تناولها لمجموعة مِن الاعتبارات لا مجال لذكرها هُنا ومن بَين هَذه المحاورِ الجواب علي الاسئلة التالية:
كيف تتراكم الافعال والاحاسيس وباي منطق لتصنع شخصية ما؟
هل يكفي الوصف الخارجي مِن طرف السارد لتحديد هوية الشخصية
متي وكيف تذوب الشخصية أو يتِم تغييبها لصالح الاحداث أو المواقف؟

نسيان 12-01-17 04:00 PM

بالقصص احب الشخصيات الواقعية التي اتمنى من الكاتب ان يقعه بموقعه المناسب وان لا يلبسه لباس المثالية ان كان من اهل الخير وان لا يلبسة لباس الشر كله

متابعين لقلمك وممتنين لعطاءك
جوووود يا بحر

ايوب صابر 15-01-17 07:07 PM

من وحي ورشة العمل هذه وبعد ان راجعت بتعمق موضوع عناصر القصة خاصة العنصر الاهم صانع الحدث في القصة وهو الشخصية كتبت هذه القصة القصيرة على الرابط...لعل كل من يريد ان يصبح كاتب قصة ان يجرب كتابة قصة اين كانت النتيجة..
.فلا بد من العمل الجاد والمحاولة المستمرة للوصول الى الاتقان والتميز...

بانتظار محاولاتكم القصصة هنا...

https://www.qtrat.com/vb/showthread....8849#post88849

ايوب صابر 16-01-17 07:34 AM

ها هي القصة التي كتبتها من وحي هذه الورشة . اتيت بها هنا لعلها تجد من يغوص في ثناياها محللا نقاط قوتها وضعفها .
طبعا حاولت في بناء هذه القصة التركيز على الشخصية لكنني حشدت الكثير من العناصر الاخرى حتي يكون للنص بالغ الأثر على المتلقي :


خطأ في التشخيص

عبر احمد البوابة الزجاجية الي غرفة الانتظار في مختبر المدينة الطبي وهو متردد وغارق في الهم والتفكير في مشاكله الصحية التي كادت ان تكتسب مع الأيام صفة المرض المستعصي والمزمن رغم مراجعاته المتكررة للأطباء الذين تعددت مجالات تخصصهم ومشاربهم.

كانت ملامح الخشية من نتيجة فحص الدم ترتسم على ميحاه، وتثير جهازه العصبي، فبدى في لحظتها متوترا فوق العادة، فهو يكره لون الدم، ووخز الابر، بل هو يمقت كل ما يمت الي الطب والأطباء بصلة، وهو موقف غير اصيل لديه، لكنه اكتسبه مع الأيام لعجزهم عن مساعدته وعلاجه، ورغم ان هذه ليست اول مرة يجري فيها فحص دم، لكنها اول مرة يجري فيها مثل هذا الفحص الاستكشافي الشامل، وهو متوجس خيفة وهو يستشعر كل الاحتمالات المفتوحة على مصارعها.

بالأمس كان قد حسم امره بإجراء هذا الفحص دون الرجوع الى الطبيب هذه المرة، وعلى الرغم ان أحدا حوله لم يشجعه على ذلك، مستذكرا كيف ان طبيب الاسرة كان قد زجره حينما طلب منه إجراء فحص دم شامل له قبل سنوات، ونصحه الطبيب حينها بممارسة الرياضة، وان يبعد عن نفسه الأفكار السوداء، مفندا رايه بانه لا حاجة لشاب مثله، يبدو بكامل صحته، ولياقته البدنية بذلك الفحص...فمثل تلك الفحوص تجرى لمن اكل الدهر على محياهم وشرب...ولمن زحفت على رأسه جيوش الشعر الأبيض...او على الأقل من ظهرت على قسماته اعراض الاصفرار والتعب والمرض، وهو لا يظهر عليه أي من تلك المظاهر المرضية ابدا...بل على العكس، يبدو رياضيا مفعما بالحياة، ومظهره اقرب الى مظهر ابطال كمال الاجسام.، تعلو وجنتيه حمرة ملفتة...

وها هو اليوم يجد نفسه مترددا في عبور تلك البوابة، يقدم رجل ويؤخر أخرى، وكأنه يخطو عبرها من عالم الصحة الي عالم المرض والالم والمستشفيات...فمن يدري ماذا ستظهر تلك الفحوصات؟؟!! فعلى الرغم انه دائما ما كان يواجه بصيحات الاستهجان حينما يشتكي، هو يشعر في قرارة نفسه بأن خطأ ما يلم ويعصف به منذ سنوات طويله، تزيد على العشرة، ومنذ ان كان في سنته الجامعية الأولى.

لكن أثر ذلك الشعور المرضي المخيف تفاقم مؤخرا بشكل مرعب وغير مسبوق، ولم يعد يصدق وكما قالوا له انها مجرد أوهام، ووسواس، وتصورات يخترعها عقله الذي لا ينفك هذه الأيام يفكر بالمرض؟؟!! وهي اتهامات كان يسوقها حتى أقرب الناس اليه ولطالما ضاعفت المه، وافقدته الثقة بكل شيء، وجعلته يفكر بينه وبين نفسه، بأنه ربما يكون فعلا مريضا نفسيا، وكان اشد ما يخشاه وسره الدفين الذي قبره في ثنايا صدره، هو فقدانه للسيطرة على نفسه، السائرة على ما يبدو في درب الجنون لتصل به في نهاية المطاف الى مستشفى الامراض النفسية والعصبية او الانتحار.

وما ان دفع الباب ليعبر بوابة المختبر حتى دق الجرس المخصص لمثل هذه الأماكن العامة مشعرا من بالداخل عن وصول مراجع جديد... بادرته الممرضة المكتنزة التي برزت له مبتسمة من غرفة جوانيه، واضح ان رنة جرس الباب لفتت انتباهها له، وبادرته بالسؤال عن حاجته وكيف يمكنها ان تساعده؟

- فأخبرها برغبته في اجراء فحص دم شامل...فاستفسرت عن تحويلة الطبيب فرد عليها بأنه لم يأت بواحدة لأنه يريد اجراء فحص روتيني استكشافي شامل...

فأمسكت الممرضة بقلمها ودونت في ورقة نموذج طبي امامها أنواع الفحوص التي قررت ان تجريها له بعد ان سألته عن شكواه؟

- فرد عليها بأنه يشعر بإرهاق وتعب شديد وشبه دائم، ولا يكاد يستيقظ من النوم، كما انه يشعر بأوجاع هنا وهناك، وأشار لها نحو نقاط محددة على رجليه ويديه ومفاصل عظامه... وقص عليها باختصار شديد قصته الطويلة والمؤملة مع المرض، والوهم، والوسواس القهري الذي اتهموه فيه حتى كاد ان يسلم له امره... تلك القصة التي تعود بداياتها الى عشر سنوات، مضت من عمره دون ان يشعر فهيا بطعم السعادة والهناء... بل سيطرت عليه خلالها مشاعر الكآبة والمرض والالم واليأس ومخاوف من فقدان السيطرة وربما الانزلاق في متاهات الجنون... واخبرها كيف انه أصبح مع مرور الزمن...على وشك فقدان عقله لولا انه احتفظ في ثنايا قلبه ببصيص امل لعله يخرجه يوما ما من هذه الدوامة شديدة العتمة والبؤس... وصار لا بد له ان يطمئن بعد ان تفاقمت حالته...فلعل وعسى ان يسعفه هذا الفحص ويخلصه من ذلك المأزق السرمدي...خاصة ان قراءاته الأخيرة في مواقع البحث على الشبكة العنكبوتية فتحت له نافذة من التفاؤل وضاعفت من قوة شعاع الامل الكامن في قلبه، حينما قرأ عن حالات مرضية لها نفس الاعراض التي ظل يشعر بها طوال تلك المدة التي قاسا فيها الامرين...
وما ان انتهت الممرضة من الكتابة حتى اشارت اليه بالدخول الي الغرفة الصغيرة المجاورة... فسار باتجاه الغرفة بتثاقل، وما لبث ان استدار بوجهه نحوها بعد ان سار مبتعدا عنها خطوتين او ثلاثة خطوات على الأكثر، ونبهها ان تهتم أكثر ما تهتم بفحص الغدة الدرقية لغرض في نفسه...

عبر الى غرفة الفحص وجال ببصره فهيا بنظرات فاحصة سريعة، فوجدها غرفة صغيرة اشبه بزنزانة أحد السجون، لا يوجد فيها سوى كرسي واحد مخصص لجلوس مرضى فحوص الدم، والى جوارها خزانة خشبية مطلية باللون الأبيض، تملأ رفوفها أدوات طبية متنوعة...قطن، وشاش، ومطهر، وقناني صغيرة لتخزين الدماء المسحوبة لحين نقلها الى ماكينات الفحص داخل المختبر، وعلى جدار الغرفة المجاور لموقع الكرسي يوجد مسمار وحيد دق في الحائط وعلق عليه حبل مطاطي مخصص لشد اليد لزوم ابراز الاوردة لتسهيل علمية سحب الدم ...

لم يطل انتظاره هناك فما ان انتهى من رفع كم قميص يده اليمنى، وكشف عن ساعده حتى بادرته الممرضة بقولها وهي تقف الى جواره ممازحة...

-تبدو شاحبا هل تخشى الابر ام هو منظر الدم؟؟

ووعدته بأن تكون يدها خفيفة، وان لا يشعر بالألم، وما عليه الا ان يسترخ هو ويساعدها على انجاز المهمة بسرعة ويسر...

سلمها يده مكرها، واشاح بوجهه الي الجهة الأخرى، وتنفس تنفسا عميقا، وحاول ان يكتم نفسه لعل ذلك يساعده في عدم الشعور بألم وخزة الابرة كما اعتاد ان يفعل في مثل هذه المواقف...وما هي الا ثوان قليلة حتى فكت الممرضة الحبل الذي لفته حول ساعده، وغطت مكان وخزة الابرة بقطعة بلاستر معقمة...واخبرته ان المهمة أنجزت بسلام وطلبت منه ان يعود للحصول على النتائج بعد ساعتين على اقل تقدير...

غادر المختبر وهو يتحسس مكان الابرة، يفكر ويسأل نفسه كيف سيقضى كل هذا الوقت وهو بانتظار نتائج هذا الفحص المصيري؟ وتمتم في نفسه...ياه ...الساعتين تكونان بطول سنتين ما دام الامر يتعلق بحالة انتظار نتائج فحص دم ربما يأتي بنتائج كارثية، مرعبة ...فمن يدري؟!

لم يشأ ان يعود الي المنزل...اراد ان يعرف نتائج فحص الدم أولا...وصار يدور في شوارع المدينة على غير هدى، يحاول قتل الوقت الذي اخذ بدوره يدور ببطء شديد لم يشهد له مثيل من قبل...

اتجه أولا نحو الشرق وسار حتى وصل الى دوار جمال عبد الناصر الذي هو مركز السوق التجاري ونقطة استقطاب تجار المدينة والمتسوقين، وهو قلب المدينة النابض... ومن هناك اتجه غربا عبر شارع فلسطين، ثم انعطف الى شارع سفيان، وشارع العدل، ثم اوغل في الاتجاه غربا حتى وصل الى منتزه البلدية، لعل المكان بأشجاره الوارفة، وسحر الطبيعة، وخضرة العشب الذي يغمره واصوات العصافير التي تسكن على الأشجار والعاب الأطفال ومرتادي المكان تسري عليه همه، وتخفف عنه وطأة الانتظار والزمان الذي بدى له سرمديا، وصار يستعجل انقضاؤه بصبر وملل وخشية وتحسب...

كان يسلي نفسه اثناء سيره في شوارع المدينة بالنظر في بترينات المحلات التجارية، ويستمع لأصوات الباعة المتجولين...يمعن النظر بوجه هذا، ويشيح بوجهه عن ذاك...يحاول جاهدا ان يشغل نفسه عن التفكير بفحص الدم ونتائجه، وعن قصته مع المرض والالم، وكل الاحتمالات التي قد يجد نفسه مضطرا للتعامل معها في لحظة حقيقة مدوية...لكن الافكار كانت تدور هي أيضا في رأسه كحجارة الرحى...تتوالد كالأفاعي، تتلوى في جحورها ولا تكاد تتوقف ابدا... أفكار تطغى عليها السلبية، والتشاؤم...فيا لها من لحظة قد يضطر الانسان فيها لسماع خبر مدو على مسامعه، له وقع سقوط كوكب من السماء، الى الارض بسرعة الضوء...

كان من الصعب عليه ان يجد مساحة للتفاؤل ...لكنه ظل متمسكا ببصيص امل...وظل طوال فترة انتظاره يتفحص عقارب الساعة التي علقها في معصمه...يتابع حركتها وهي تسعى، وكأنه يستحثها على ان تسرع الخطى والدوران... هو لا يعرف تحديدا كم عدد المرات التي حملق فيها بميناء ساعته، لكنه شعر بأنها تزيد على مئة مرة... وقد تقاربت تلك النظرات الفاحصة في ربع الساعة الأخير، التي بدت فيها حركة عقارب الساعة له ابطأ من أي وقت مضى على الاطلاق... كان ينظر اليها نظرة فاحصة تلو الأخرى، تتبعها ثالثة ورابعة وخامسة وأخرى، وأخرى... وما ان وجدها قد ارتسمت في وضع يشير الى اقتراب الموعد وانتهاء مدة الانتظار حتى تحرك راجعا باتجاه الشرق نحو المختبر، واتخذ من اجل الوصول الى هناك طريقا مستقيما...

سار بهمة وسرعة غير معهودة لديه منذ زمن متجها نحو المكان، وما ان اجتاز باب المختبر حتى وجد الممرضة ذاتها تستقبله وكأنها كانت في انتظاره...وباشرت فورا في قراءة نتائج الفحوص له...واحد تلو الاخر وهي تصفها بالممتازة في كل مرة حتى وصلت الي الصفحة الأخيرة التي بدى له انها جعلتها الأخيرة عن قصد وسابق تخطيط...وبعد تردد لم يطل بادرته وهي تحملق في الورقة الأخيرة بالقول كل نتائج الفحوص عندك ممتازة...ولكن؟؟!!

وما ان سمع كلمة لكن هذه حتى كاد قلبه يسقط بين رجليه...وسمع نفسه يتمتم بكلمات يا ساتر...يا رب سترك...

وتابعت هي الحديث لكن فحص الغدة الدرقية يشير الى كسل شديد، ونقص رهيب في افرازاتها. وشرحت له بأن النسبة الطبيعة لهرمون الـ hts في الانسان العادي السليم يجب ان لا يتجاوز الرقم 5...وهو في دمك ارتفع ليتجاوز المائة...واكدت له ان الماكنة التي تقيس هذا الهرمون والذي يؤشر على نشاط الغدة الدرقية او كسلها توقفت في قراءتها عند الرقم 100 لأنه اعلى مقياس مسجل عليها مما يعني ان نسبة الهرمون في دمك تزيد حتما عن قدرة الماكنة على القياس وهو امر غريب قلما يحصل...وتابعت وهو منصت باهتمام...وذلك يعني أنك كنت تعاني من كسل الغدة الدرقية منذ فترة طويلة جدا ربما؟؟!! وفي تصوري ان سبب كل ما اصابك وجرى لك كما في قصتك التي قصصت علي، يعود لنقص جسيم في هرمون الغدة الدرقية... وهذا يعني أنك كنت ضحية لخطأ في التشخيص...خطأ شنيع ومستهجن...فالعلاج بسيط... وبسيط جدا...

لجمته المفاجأة...فلم ينبس ببنت شفة...ولم يعرف أيفرح ام يحزن لهذا الخبر الصادم، المزلزل...الذي يبدو مرعبا ...

عاد بذاكرته الى الوراء، يستعرض في ثوان شريط ذكرياته المريرة مع المرض ...يا إلهي؟؟!! ...عشر سنوات من الألم والمرض والكآبة والخوف... والسبب في كل ذلك كما تقول ربما يعود الى كسل في الغدة الدرقية...وشتم في سريرته حظه النحس، وكل الأطباء الذين زارهم خلال رحلة الطويلة مع المرض...

كان هول المفاجأة عليه ساحقا ماحقا للوهلة الأولى، فهذه صدمة من العيار الثقيل... لكنه ما لبث ان استجمع قواه وابتسم في قرارة نفسه حينما تذكر ان ذلك ربما يفسر كل وساوسه ومآسيه وآلامه، ويعني باختصار انه ليس في طريقه الى فقدان السيطرة...

وقبل ان يعود الى المنزل مر على حلويات شهرزاد في آخر شارع فلسطين...وابتاع منها طبق من الكنافة النابلسية الشهيرة... أراد ان يحتفل مع اهله بالخبر الكارثي الذي وضع نهاية سعيدة لمآسيه واغلق الى غير رجعه باب خشيته من الجنون...

ايوب صابر 17-01-17 07:03 PM

عناصر التأثير التي حاولت حشدها في هذه القصة :

طبعا حيث اننا نتحدث عن اهم العناصر في القصة وهو " الشخصية " محورت هذه القصة حول شخصية( احمد ) الذي هو الشخصية الوحيدة التي حظيت بكامل الاهتمام والبناء السردي . وعلى الرغم ان هناك ذكر ليشخوص مثل الممرضة المكتنزة والأطباء والأهل الا ان احد منهم لم يحظ بالاهتمام الذي حظي به احمد الشخصية الرئيسية فقد حرصت على جعله شخصية دائرية round figure أي انه شخصية متكاملة تعرفنا على الكثير من جوانب شخصيته وحياته وحتى مشاعره خلال فترة زمنية غير قليلة عشر سنوات.
- فنعرف مثلا عنه انه في أوخر العشرينات من السن أمضى منها عشر سنوات وهو ضحية المرض كونه مرض مع دراسته الجامعية وفي سنته الاولى فيها.
- وأنه يتمتع بصحة شخص رياضي مفتول العضلات وكانه احد ابطال كمال الأجسام ورغم المرض لم يتغير لون وجهه ولم يتورم ولم يصفر بل تعلوه حمرة وذلك ما جعل الاطباء مترددين في اجراء فحوص طبية كاملة له كما انهم لم يكتشفوا طبيعة مرضه في الغدة الدرقية الذي يؤدي الى زيادة كبيرة في الوزن وانتفاخ حول العينين مثلا كاعراض تنبه الطبيب الى وجود المرض.
- نتعرف عليه في بداية القصة وهو في حالة ياس رغم شعاع الأمل الضعيف وعلى حافة الانهيار والجنون لكنه في اخر القصة نجده قد عبر من عالم المرض الى عالم الصحة النسبية مقارنة مع ما كان يخشاه وهو الجنون .
- أيضاً مع عبوره البوابة بوابة المختبر نجده يخرج وقد انتقل من حالة الوهم التي كان يعاني منها الى حالة الحقيقة . ومن حالة فقدان الاتزان والوسواس الى حالة القبول بواقعه المرضي الذي يمكن ان يعالج .
- كان ضحية الاطباء لانه كان يستمع لما يقولون لكنه في لحظة من الزمن وبعد ان دفع نفسه للقراءة عن أعراض مرضه اتخذ قرار بعمل فحص شامل لعله يتعرف على اسباب مرضه وهذا يعني انه تغير ونمى وتطور حاله ولم يعد ضحية بل أخذ زمام المبادرة وتحمل مسؤوليةةنفسه وعالج نفسه بنفسه .
- تحول من إيمانه بالطب والأطباء الى فقدان الثقة فيهم نتيجة لهجومه عن تحديد اسباب ما كان يدور معه .
- تنتهي القصة بغلاف باب الجنون الذي كان يظن انه مصيره وهذا يعني انه تقبل واقعه المرضي الى حد انه دفعه للاحتفال بهذه المناسبة .
- طبعا هناك أيضاً الكثير من الحديث والأوصاف التي جعلته مكتمل كشخصية الى حد ان زميلتها الأستاذة متاهة الاحزان أخبرتنا في تعليقها على القصة بانها تعتقد انها قابلته اي بطل القصة في الطريق وهذا يعني ان الشخصية مكتملة ومؤنسنة وكأنه ابن الحي الذي نسكن فيه .

يتبع عناصر التأثير الاخرى في القصة ...



*

ايوب صابر 18-01-17 01:19 AM

يضاف الى ما سبق

تجدون انني باشرت القصة بالحديث عن الشخصية الرئيسية واخترت لها اسم ذكرته من عتبه النص( احمد ) حتى يعرف المتلقي بأن الحدث يتمحور حول هذه الشخصية كشخصية رئيسية.

ولم يكن صدفة ان اخترت كلمة تعني الحركة كاول كلمة في النص لان الحركة تجعل النص ينبض بالحيوية من هنا جاءت كلمة (عبر)...وهو ما يجعل المتلقي يشعر بحيويةالنص من عتبته...

يتبع...

عناصر اخرى تم حشدها لتلبية متطلبات البناء القصصي الجميل ولتكون عناصر تأثير ...


يلاحظ انه : ما يزال عدد المتابعين لهذه الورشة قليل جدا وكنا نطمع ان يرتفع العدد بشكل كبير حتى تعم الفائدة من خلال تبادل الافكار...

ادعو كل من هو مهتم في هذه الورشة وفي كتابة القصة القصيرة ان يجرب حظة في كتابة قصة قصيرة هنا يختار لها شخصية رئيسية ويمحور الحدث حولها...وينشرها هنا حتى نكتسب الخبرة من خلال تبادل الافكار والنقد للنصوص
الدعوة مفتوحة للجميع الذين ليس لديهم خبرة في الكتابة القصصة اولا...والذين لديهم خبرة حتى نستفيد من خبرتهم طبعا

هذا لكي تتحقق اهداف هذه الورشة لطفا
اهلا وسهلا بالجميع

ايوب صابر 18-01-17 11:56 AM

عنصر
الصراع
في القصة

طبعا يتضح من عتبة النص ان الحدث يتمحور حول صراع بطل القصة اي الشخصية الرئيسية مع المرض .

اذا هناك صراع رئيسي واحد على الاقل ولو ان هناك صراعات لا تقل اهمية من حيث دورها في اغناء الحدث ومنحه صفة التشويق مثل علاقته مع الاطباء الذين صار بمقامك مع الزمن لانهم فشلوا في كشف اسباب علته وعلاجها
كذلك هناك صراع نفسي داخلي يتمثل في خشية البطل من الجنون وهو السر الذي قبره في صدره ليظل ذلك الصراع داخلي حتى تتكشف اسباب تلك العلة فيكشف لنا البطل عن انه عاش في ظل الخوف والخشية انه سائر في طريقه الى الجنون وينتهي هذا الصراع عندما يغلق باب خشيته من الجنون والى الأبد.

اذا هذا عنصر اخر مهم من العناصر التي لا بد من توفرها لإبداع سرد محبوك بصورة مؤثرة .

ايوب صابر 18-01-17 05:35 PM

اذا تحدثنا حتى الان عن عناصر التأثير والبناء القصصي وكما يلي :
- شخصية محورية - احمد - وشخصيات ثانوية الممرضة في المختبر .
- حدث رئيسي يتمحور حول بطل القصة .
- مدخل يوحي بالحركة لاكساب النص حيوية من عاقبته .
- صراع بين بطل النص والأطباء وصراع من اجل البقاء وصراع نفسي داخلي .

أيضاً من العناصر الرئيسية التي شملها النص - الزمان - :

الان نضيف ان زمن النص كان مناسبا لانه لا يزيد عن ثلاث ساعات على ابعد تقدير وهو الزمن الذي وصل فيه بطل القصة الى المختبر ثم انتظاره لمدة ساعتين ثم عودته الى البيت. لكن يلاحظ ان القصة ذكر فيها أزمان اخرى تصل الى عشر سنوات وقد تم استخدام آلية التذكر والذاكرة والعودة الى الوراء لاستثمار هذه الأزمان لخدمة زمن القصة المحدود . *

ايوب صابر 19-01-17 01:15 AM

أيضاً من عناصر قصة " خطأ في التشخيص " المكان :

نجد ان المكان مناسب للقصة فالجزء المهم من الاحداث والسرد يتم داخل المختبر، والأماكن الاخرى ثانوية وليس لها نفس اهمية المكان الرئيسي .

وعليه نقول ان الزمكانية راعت خواص القصة القصيرة فكان الزمان محدودا والمكان أيضاً .

ايوب صابر 19-01-17 06:23 PM

اضافة الى العناصر الاساسية التي ذكرناها الشخصية والحدث والمكان والزمان والصراع يمكن ملاحظة ان اللغة كانت عنصر مهم من عناصر البناء في هذه القصة حيث تم حشد كم لا باس به من الكلمات ذات المغزى والتي لها وقع على المتلقي من خلال ما تستثيره في المتلقي وما يرتبط فيها من معنى له وقع واثر كبير على المتلقي . فقد اكثرت مثلا من ذكر كلمة ( الدم) وكان هناك حديث عن الخوف والتردد والمرض والجنون وحتى الانتحار تم ذكره لكن ذلك كله تم بصورة سلسلة وفنية مناسبة و لم يشعر المتلقي ان هذه الكلمات دخيلة على النص وأنها لم تكن ضرورية وهو ما أدى الى خلق صورة ذهنية هائلة كان لها وقع ـهايل على اعصاب المتلقي.
فقد نجحت اللغة في خلق جو مشحون بالكثير من الكلمات ذات الدلالة والتي نجحت في المحصلة النهائية في ترك اثر مزلززل على عقل المتلقي.
وقد ادت اللغة دورا اخر مهم وهو التشويق فكان البناء مكثفا مشوقا رغم طول النص نسبيا لكنك لا تجد حشوا ولا انحرافا في حبكات ثانوية تشتت المتلقي بل كان الحدث صاعدا متسلسلا ما ان يفرغ المتلقي من قراءة فقرة حتى يجد نفسه ينتقل بسلاسة الى الاخرى يتابع تطور الحدث الرئيسي مستعجلا معرفة ما ستؤول اليه الامور. *

ايوب صابر 20-01-17 12:03 PM

عنصر جمالي اخر لجأت اليه في هذه القصة وهو مرتبط بعنصر اللغة الا وهو الإكثار من استخدام حروف الهمس السين واخواتها وذلك لما لحروف الهمس من وقع على إذن المتلقي وقلبه وعقله ، فانت تهمس لكن في الواقع تكون وكانك تصرخ بأعلى صوتك بما تريد ان تقول لكي تصل الى ابعد مدى واعمق إحساس وكأن في الكلمات جرس ينبه المتلقي باستمرار الى جدية الفكرة والحدث. ولحروف الهمس جرس جميل له وقع عذب على إذن المتلقي.

ايوب صابر 21-01-17 07:01 AM

أيضاً يلاحظ انني حرصت على اضافة بعض المحسنات ذات الأثر البالغ على العقل وهذا الأثر قد لا يكون ظاهرا لكنه موجود.
فبالإضافة الى الحركة التي جعلت النص حيويا بل ينبض بالحياة من اوله الى آخره حرصت على اضافة
الأرقام
في كل مكان كان ذلك ممكنا لان الأرقام لغة الكون ولها تأثير عظيم على عقل المتلقي. وطبعا لم يتم اضافة اي رقم جزافا او في غير موضعه وانما جاءت الأرقام كجزء لا يتجزء من النص فلم تشكل حشوا غير ضروري وانما تقدم اضافة مهمة للنص. فتكرر ذكر رقم واحد واثنين وعشرة ومائة وهكذا ...

ايوب صابر 21-01-17 03:34 PM

أيضاً تم عن قصد تسخير الألوان كمحسن بديعي حيث يبدو النص مع وجود زخرفة الألوان وكأنه لوحة فنية مرسومة بريشة فنان ....فمثلا نجد وصف الأفكار بالسوداء يتبعها حديث عن الشعر الابيض وقد تم تكرار ذكر الالوان في مواقع مناسبة وبحيث لا تبدو اضافات لا منعى لها .

والحديث عن الابيض والأسود الهدف منه ايضا تسخير أداة التناقض والأضداد ، وتقنية التضاد من اكثر العناصر تأثيرا على الدماغ وقد اشتهر المتنبي في استخدام هذه التقنية في أشعاره مما جعلها بالغة التأثير وخالدة . وقد حاولت الإكثار من استخدام مفردات توحي بالتضاد نظرا لأهمية هذا العنصر الجمالي دون تكلف او حشر لمفردات لا تخدم جمالية النص.

ايوب صابر 21-01-17 05:29 PM

أيضاً احد اكثر العناصر تأثير في المتلقي هو ذكر الحواس في النص وقد حاولت في هذه القصة استثمار هذه التقنية فذكر
الحواس
او ما يرتبط بها ويذكر بها وبهدف استثارت حواس المتلقي فيتلقي النص ليس فقط بعقله وانما بكافة حواسه . وطبعا جاء ذكر الحواس في الاماكن المناسبة حتى لا يشعر المتلقي بان هناك تكلف في البناء.
فنجد مثلا انه تم ذكر النظر والعيون والبصر اكثر من مرة كذلك تم ذكر الأيدي والأصابع وما يرتبط بحواس اللمس والشم والذوق والسمع .

ايوب صابر 22-01-17 11:21 AM

ولم انسى اهمية التناص مع بعض النصوص الدينية كلما كان ذلك ممكنا ، ولو بالاشارة الي كلمة او عبارة عابرة وذلك لحشد اثر تلك النصوص لزيادة التاثير فحينما تحدثت عن الافاعي التي تتوالد في جحورها اتيت بكلمة تسعى للتذكير بالنص القرائني " وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى" وهذه تقنية معروفة في اهميتها واثر العظيم على المتلقي.

ايوب صابر 22-01-17 11:32 AM

وانهي التعليق على النص بالحديث عن الحبكة حيث يمكن تلخيص الحبكة the plot بما يلي:

احمد شاب في اوخر العشرينيات، عانا من مرض مع سنته الجامعية الاولى، على الرغم من زياراته المتكررة للاطباء لكن لم يخطر ببال احدهم ان يطلب منه عمل فحص دم شامل بما في ذلك الغدة الدرقية، وبدلا من ذلك اوهموه بانه يعاني من وسواس قهري واوهام وافكار سوداء، وظل الحال معه على ذلك لعشرة سنوات حتى قرأ بالصدفة على الانترنت اعراض ما يعاني منه وان سببها يعود الى كسل في الغدة الدرقية، عندها قرر تجاوز الاطباء والتواصل مع المختبر مباشرة لاجراء فحص دم شامل رغم انه كان في نفسه يستهدف فحص الغدة الدرقية. بعد انتظار بدى طولا لنتيجة الفحص الذي استغرق الساعتين تبين له من الفحص بان اسباب ما كان يعاني منه كسل الغدة الدرقية كما صرحت بذلك خبيرة المختبر، ويبدو ان الاطباء عجزوا عن تشخيص المرض لانه لم ظهر عيله اعراض عادة ما تظهر مع مثل هذا الكسل واهمها الانتفاخ حول العيون كونه رياضي يمارس لعبة كمال الاجسام، وكان لسوء حظه ان الاطباء اخطأوا في تشخيص مرضه وعزوه الى اشياء اخرى. وبعد معرفته بان كل ما كان يعاني منه انما يعود لكسل الغدة الدرقية وانه لا يعاني من مشاكل نفسية او اوهام كان يخشى ان تقوده الى الجنون قرر ان يحتفل بالمصيبة الاقل خطرا عليه.

انتهى،،

ايوب صابر 22-01-17 12:19 PM

سنكمل الحديث عن العناصر الاخرى ان شاء الله وعلى امل ان ينضم الى الورشة المزيد من المهتمين وان يجرب عدد منهم كتابة القصة بعد ان أوضحنا هنا ادوات بناء القصة في ابسط حالاتها straightforward.

فإذا كان لدينا حدث يمكننا ان نطوره في ذهننا الى حبكة، اي ان يكون له سياق احداث تساند بعضها بعضا، اي ان يكون هناك بداية ويتطور الحدث ثم نصل به الى نهاية مدهشة وذات اثر عظيم .
وهذا الحدث لا بد ان يكون قد قام به شخصية وانه جرى في مكان محدد نسبيا وزمان محدد وان الشخصية فيه كان طرف في صراع او صراعات يكون لدينا الهيكل العظمي للقصة ثم تأتي اللغة والمحسنات البديعية فتكسو العظم لحما فتكون القصة وكلما كانت اللغة قوية والتصوير جميل يكون التأثير اعظم .

ايوب صابر 22-01-17 07:36 PM

دعوة متجددة

هذه دعوة متجددة للمشاركة الفاعلة في هذه الورشة لكل من يرغب في دخول عالم الكتابة السردية او ان يحسن اداؤه ويجعل كتابة السرد اعظم تأثيرا وأتقن من حيث المواصفات الفنية...*

ايوب صابر 22-01-17 07:43 PM

أعود فاذكر بتعريف القصة القصير حسب ما توصلنا اليه في هذه الورشة :وذلك قبل ان ننتقل الى بحث ودراسة العنصر الثاني من عناصر بناء القصة القصيرة والباب مفتوح للنقاش والحوار على ما طرح في الورشة حتى الان :


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 88813)
نعود ونذكر بتعريف ورشة قطرات أدبية للقصة القصيرة :

تعريفنا للقصة القصيرة الذي سنعتبره مرجعيتنا في هذه الورشة وموجهنا في الكتابة ستكون خلاصة هذه التعريفات وسنجعله تعريف سهل لكنه شامل لكل الجوانب المهمة من هذه التعريفات:

تعريف القصة حسب ورشتنا في قطرات ادبية :

سرد حكائي نثري، واقعي، او خيالي، يهدف الى تقديم حدث وقع او يمكن ان يقع، او مجموعة حوادث تساند بعضها بعضا تشكل حبكة بسيطة لها بداية ووسط ونهاية، ويقع الحدث او الاحداث ضمن فترة زمنية قصيرة ومكان محدود ليعبر عن موقف او جانب من جوانب الحياة، ويتتبع اثر لحظات انسانية حياتية شديدة الاهمية منتقاه من صميم الذات وتفاعلها مع كل ما هو محيط بها، ويقصد بالحدث اثارة الاهتمام او الامتاع او تثقيف السامعين او القراء، وتصور احداث القصة القصيرة لحظات عابرة لا يصلح لها الا القصة القصيرة لانها تتمحور حول حدث لحظي فلا تهتم بما قبله او ما بعده.

وعلى ان يروي هذا النص الادبي السردي خبرا له خصائص معينة اي ان يكون له اثر ومعنى كلي بمعنى ان تتصل تفاصيله واجزاؤه بعضها ببعض بحيث يكون لمجموعها اثر، ويمتع ويجذب انتباه القاري او المتلقي، وعليه لا بد ان يكون الحدث متحدا ومنسجما دون تشتيت.

وتوجز القصة القصيرة في لحظات احداثا جساما معتمدة على مبدأ التكثيف فكرا ولغة وشعورا مما يمكنها من النجاح في نقل دفقة شعورية فائرة، وعليه لا بد ان يكون الحدث دراميا، بل شديد الدرامية، يكشف عن صراع تحمله شخصيات القصة ضد بعضها او ضد الطبيعة، ويعبر عن كل ذلك بلغة جميلة مشوقة و غنية بالمحسنات البديعية تمتلك حسا من السخرية او دفقات شعورية توقع التأثير وتعوض عن حبكة الاحداث في الرواية.

والقصة القصيرة مثل الرصاصة تنطلق نحو هدفها مباشرةـ وغالبا ما تحمل مغزا او فكرة يريد القاص ان يوصلها للمتلقي.



روح الياسمين 24-01-17 04:12 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بادء ذي بدء اشكرك جزيل الشكر على فكرة المسابقة
ثم على هاته الرسالة التوجيهية
المشكلة انني اعيش شعورين التحمس للمسابقة والتردد بشان كتاباتي فهل ستكون بذاك المستوى الذي يليق للمشاركة
ولا اجد غيرك للفصل بينهما سارسل لك بعض القصص واخبرني هل تليق لاعتمادها بالتحدي ام لا
ولك مني كل التقدير والاحترام


الساعة الآن 12:10 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع قطرات أدبية 2009