رسالة الأمام / محمد عبده إلى تولستوي :
أيها الحكيم الجليل مسيو تولستوي لم نحظ بمعرفة شخصك , ولكننا لم نحرم التعارف بروحك , سطع علينا نورً من أفكارك , وأشرقت في آفاقنا شموس من آرائك ألفت بين نفوس العقلاء ونفسك , هداك الله إلى معرفة الفطرة التي فطر الناس عليها , ووفقك إلى الغاية التي هدى البشر إليها , فأدركت أن الإنسان جاء إلى هذا الوجود
لينبت بالعلم ويثمر بالعمل , ولأن تكون ثمرته تعباً ترتاح به نفسه , وسعياً يبقى ويرقى بها جنسه .
شعرت بالشقاء الذي نزل بالناس لما انحرفوا عن سنة الفطرة , استعملوا قواهم التي لم يمنحوها ليسعدوا بها فيما كدر راحتهم , وزعزع طمأنينتهم , نظرت نظرة في الدين , فرقت حجب التقاليد , وصلت بها إلى حقيقة التوحيد ورفعت صوتك تدعو الناس إلى ما هداك الله إليه , وتقدمت أمامهم بالعمل لتحمل نفوسهم عليه .
فكما كنت بقومك هادياً للعقول , كنت بعلمك حاثاً للعزائم والهمم .
وكما كانت آراؤك ضياءً يهتدي به الضالون , كان مثالك في العمل إماما اهتدى به المسترشدون .
وكما كان وجودك توبيخاً من الله للأغنياء , كان مدداً من عنايته للفقراء .
هذا وأن نفوسنا لشيقة إلى ما يتجدد من آثار قلمك , فيما تستقبل من أيام عمرك والسلام .
( محمد عبده مفتي الديار المصرية 2 أبريل 1904م ) .