أهلا أخيّتي رونق ،، نغيب رغما عنّا و نرجع ،،،و يعلم الله كم أحبّ هذا المكان و أهله
،،
تخيّلوا معي يا إخوتي ،، رجل وقور في الأربعينات بهندام محترم و ملامح مستريحة ،، وقف على باب مكتب الصيدلية أين تعمل أختي ،، في البداية تعمّدت تجاهله و تأخير استقباله ظنّا منها أنّه وكيل تجاري لإحد المخابر جا لعرض بعض الأدوية و بيعها ،، لكن اتّضح أنّه والدٌ لصبي صغير في الخامسة من عمره مصاب بمرض نادر ، فهمت منها أنّه لا يمكنه أكل البروتينات ،، يعني لا سمك و لا لحم و لا دجاج ،، لا بيض و لا حليب ،، و كل طعامه أدوية في أدوية ،، جسمه مشوّه و وجهه لا أراكم الله ،، و الوالد المسكين بمجرّد أن دخل مكتبها يستجدي طلب دوا باهض الثمن ،، حيث أنّ مثل هذه الأدوية الغالية تؤمّنها المستشفيات مجّانا ،، قلت ،، بمجرّد أن دخل مكتبها ،، حتي انهار الرجل الوقور و أجهش باكيا و هو يصف حالة ابنه و فلذة كبده و بدأت يداه ترتعشان ،، هذا الوالد يا جماعة باع بيته من أجل مصاريف عملية جراحية لإبنه الذي تآكل كبده و فقد جزا كبيرا منه نتيجة المرض الذي يتطلّب زرع الكبد لكن تكلفة العمليّة التي تجرى في مستشفى فرنسي أكبر بكثير ،، عندها عرضت عليه عيادة خاصّة إجراأ العملية مجّانا و أبلغوه أنّ نتائجها غير مضمونة النجاح و أنّ عليه بالمقابل أن يمضي تعهّدا يسمح بموجبه للبيولوجيين باستعمال ابنه كحقل تجارب علمية لتجريب طريقة علاج جديدة لأوّل مرّة عليه ،، هنا ،، قلت في نفسي لعلّه يقبل هذا الحلّ الوسط ،، لكنّ الوالد عاد أدراجه إلى أرض الوطن و آثر أن يعيش مع ابنه المريض و لو للحظات على أن يسلمه للمجهول و لا يزال الرجل الوقور ،، يجمع ما تيسر من مال و يجتهد لعلاج ابنه لكنّه هو الآخر لم يسلم ،، فنتيجة للضغط النفسي الكبير الذي عاناه و لأنّه بعدما باع بيته ألحق زوجته بأهلها و صار يبيت كل يوم في مكان و حتى لمّا يجتمع بزوجته و طفله على مائدة الفطور عند الأهل أو في المطاعم فجلستهم لا تخلو من نكد و بكاأ صغيرهمو هو يصرخ : مللت من هذه الأدوية لما لا آكل مثلكم ؟؟ نتيجة لكلّ هذا صار الوالد يرتعش كلّما أتى على ذكر ابنه و يدخل في حالة هستيريا أجبرته على تعاطي أدوية مهدّئة باستمرار ،، و إلى هذه اللحظات ،، لا تزال هذه الأسرة على هذا الحال ،،،