مرة أخرى لم يرحمه الراعي فواصل الخروف الركض فكان أن شفط بطنه إلى الداخل واستطال جسمه وتساقط صوفه...ونبت مكان الصوف وبر رمادي قصير وخشن...
وأصبح من الصعب على الراعي أن يلحق به...لكن ما أن يلحق به حتى يواصل ضربه وإهانته...
وهو ما جعل الخروف يرهف السمع حتى يستعد للهرب كلما سمع صوت قدوم الراعي أو كلابه...
ومع تكرار المحاولة انتصبت أذناه وأصبحت مدببة قابلة للحركة في كل اتجاه...ولكنّ الراعي كان يستطيع أن يصل إليه ليلا وضربه براحته فالخراف لا ترى في الظلام...
وفي ليلة قال الخروف له : سيدي الراعي...أنا خروف...لا تحاول تحويلي إلى شيء آخر غير الخروف...لكن الراعي لم يستوعب ما سمع...
فأصبح الخروف يسهر ليلا ويحدق بعينه في الظلام...ولكثرة تحديقه كبرت عيناه وبدأت تطلقان شررا.. وغدت عيناه كعودي كبريت في الليل...تريان في الظلام أيضا.
كانت نقطة ضعف الخروف هي إليته...فهي ثقيلة تعطله عن الركض..لكن.. لكثرةالركض ذابت إليته واستطالت , وفي النهاية أصبحت ذيلا على شكل سوط...
ورغم فشل الراعي في اللحاق به فإنه كان يلقي الحجارة عليه ويؤلمه...
كرر الخروف على مسامع الراعي: "إنني خروف يا سيدي...ولدت خروفا...وأريد أن أموت كبشا...فلماذا تضغط علي كي أتحول إلى مخلوق آخر ؟!!
لم يكن الراعي يفهم...فبدأ الخروف يهاجم الراعي عندما كان يحصره في حفرة ما لحماية نفسه من الضرب...وغضب الراعي أكثر...فضاعف من قسوته بجنون لم يشعر به من قبل...فاضطر الخروف أن يستعمل أسنانه , لكنه لم يستطع ذلك لأن أسنانه داخل ذقنه المفلطحة.
وبعد محاولات دامت أياما بدأت أسنانه تنمو ؛ وفيما بعد استطال لسانه أكثر وأصبح صوته غليظا خشنا ؛ ولم يستوعب الراعي ذلك...وواصل ما يفعل وبالقسوة نفسها...
ذات صباح شتوي استيقظ الراعي مبكرا ليجد المكان مغطى بالجليد ؛ تناول هراوته التي سيحثّ بها نعاجه المتبقية على حليب عشر بقرات وذهب إلى الزريبة, لكن ما إن خرج من الباب حتى وجد بقعا من الدم الأحمر فوق الثلج...ثم رأى أشلاء أغنام متناثرة.. لقد قُتلت كافة النعاج ومُزقت , ولم يبق منها ولا واحدة...
ظلل عينيه بيديه ونظر بعيدا فرأى الخروف...كان الخروف قد مد قائمتيه الأماميتين أمامه وتمدد بجثته الضخمة على الثلج وهو يلعق بلسانه الطويل الدماء من حول فمه...ثمة كلبا حراسة يتمددان على جانبيه دون حراك...
نهض الخروف وسار بهدوء نحو الراعي....كان يصدر صوتا مرعبا....
وبينما الراعي يتراجع إلى الخلف مرتجفا قال متمتما : "يا خروفي...يا خروفي....يا خروفي الجميل"...
عوى الخروف قائلا : "أنا لم أعد خروفا" ...
كرر الراعي ماقال...
عوى الخروف قائلا : "في السابق كنت خروفا , ولكن بفضلك أصبحت ذئبا"...وجــــرى وراءه...
عزيز نيسن ... (أديب تركي )