[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width0%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]عندما عصفت بي الدنيا يومًا ما ، كنتُ قبل ذلك جميلاً ، أشدو في هذه الحياة بلبلاً ، ولكنَّ الحال قد تبدّلَ تمامًا ، فلم أجد بدًّا من أن أقف وقفة الكسير ، لأصعد من جديد ذلك الجبل الذي قد قذفني من أعلاه لأرتطم بمنحدرٍ فيه جعلني أتقلب وأستسلم لضربات أركانهِ وزواياه حتى انتهى بي الحال على سهلٍ ممتلئ بالوحل ، والذي لطخني فبدل لوني المشرق إلى لونٍ أخر وشكلني كإحدى أواني الفخار الأثرية القديمة.
آثرتُ أن أسافر بحثًا عن عمل ، أجدد بهِ بعضٌ مني ، والبعض الأخر أدخر أمرهُ إلى ما سيستجد غدًا.
وصلتُ بعد عناء ، ثمَّ سألتُ بائعًا يبيع الطيور بسوقٍ لا أعلم أني قد دخلتهُ يومًا ، أو سمعت أحد المتحدثين يتحدث عنه ، فهو غريبٌ تمامًا عني.
سألتهُ أين أجد المورد الذي يفئ بحاجتي من ماء وطعام ، قال لي بأخر السوق تجد شركة لتوأم قد علمتُ أنّهم يبحثون عن رجل يحسب بضاعتهم ويفنّدها ليضع موازين أموالها ويخرج المستحق من الزكاة بأخر الحول لديها.
مشيت حينئذٍ وكل أملي بأن أجد ما أطلبه ، وفي أثناء المسير لمحتُ مطعمًا فاتجهتُ على الفور إليه ، فأخرجتُ حافظة نقودي لأرَى هل هناك ما يكفي كي ابتاع بعض الطعام لنفسي ، وإذ بريالاتٍ يتيمات لا تكفي أن تجلب لي سوى رغيف خبز فقط ، فابتعت الرغيف وأكلتهُ ، وحينما انتهيت مضيتُ حيث الشركة التي أسعى بأن أعمل بها.
بعد وصولي وانتظاري الطويل على الكراسي المخصصة للانتظار سُمحَ لي بأن أدخل على صاحب القرار النافذ ، قُمت بإلقاء تحية مكسّرة تفوح منها رائحة البؤس الشديد ، ثمّ تساءلت هل أجد عملاً !؟ لأستقبل سؤالاً فهمتُ منه بأنّ هناك أملٌ في أن أُقبل
- هل تحمل مؤهلاً !!؟
- قلتُ : نعم ، هي شهادة بالية تشهد بأنني أجيد ( المحاسبة بالحاسب الآلي ) ،
- قال لي : أهي بحوزتك !
- قُلتُ : نعم،
- قال : دعني ألقي نظرة !!
- أمم ! ما شاء الله إنّها علاماتٌ جيّدة ، إذن اذهب الأن إلى إدارة التوظيف لاستكمال الإجراءات.
اختلط الفرح بحزنٍ قاتل، لكن هي الحياة فلتقلبني كيف تشاء حتى أجد منفذًا يؤدي بها إلى كفافها عن إيذائي.
مضى على ذلك شهر ، وما زلتُ بين الأوراق والملفات ، أعمل بجد كبير مع أن مبلغ الأجر قليل لا يكفي أن يجعلني طموحًا.
في إحدى الليالي قُدمت لي دعوة من أحد أقربائي بأن يكون لي حضورًا لوليمة ما ، قبلتُ الدعوة لأسافر حيث تقام ، وفي جلستي الصامتة والساكنة تمامًا بلا حراك والمجلس يعجُّ بالأقرباء والأحباب ، كنتُ استمع للحديث الدارج والذي يشير إلى مستقبل كل نفرٍ منهم ، أحدهم يعمل عملاً مرموقًا ، والأخر يطلبُ العلم حثيثًا ، وفي الحقيقة بأن الجميع يتباهى بما هو فيه من رغد عيش وأنس و ُأسرة سعيدة ، لم أحتمل حينها وقع صدى الهمهمات والضحكات والابتهاج ، ولم يعد لي ذلك الاهتمام ، لأني بكل ما تشير إليه الكلمة لا أملك من المادة درهمًا واحدًا ، خرجتُ على الفور من المجلس إلى الخارج ، فمشيتُ مسافة طويلة حيث الخلاء العاري ، لأجد ذاتي حزينة ، ولسان حالي يردد : حمدًا لله على كل حال ، حمدًا لله على كل حال.
كنتُ أدرك خطأي الفادح سابقًا ، حيثُ كان التخاذل سمتي ، وعدم حساب ما أنا فيه حسابًا دقيقًا ؛ حتى فلتت مني كل المعطيات والموارد التي تبقيني إنسانًا له ميزانهُ في المجتمع.
أخيرًا : لا تُقطف ثمارُ الحياة إلاّ بالتجلّد والكفاح فلن تنبض بك ما لم تقضِ بذلك وطرا .
انتهى
سابق النشر [/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]