[ايوب صابر]

نموذج من سيرة أحد الأيتام المشهورين والذي ينتمي إلى الفئة العمرية التاسعة، وهي اليتم خلال السنة الثامنة من العمر من خارج قائمة الخالدون المائة:

جمال عبد الناصر

مولده ووفاته: ولد في 15 يناير1918 – وتوفي في 28 سبتمبر1970.

مكان الولادة: الإسكندرية – مصر.

يتمه: توفيت أمه وهو في سن الثامنة.

مجاله: قائد كرزمي كبير، وهو ثاني رؤساء مصر.

ولد جمال عبد الناصر حسين سلطان على عبد النبي بالإسكندرية، في 15 يناير 1918، وهو من أصول صعيدية، وكان أبوه عبد الناصر حسين سلطان قد انتقل من قريته بني مربمحافظة أسيوط؛ ليعمل وكيلاً لمكتب بريد باكوس بالإسكندرية، وقد تزوج من السيدة "فهيمة" ابنة "محمد حماد" تاجر الفحم المعروف في المدينة. وكان والده دائم الترحال والانتقال من بلدة إلى أخرى؛ نظرًا لطبيعة وظيفته التي كانت تجعله لا يستقر كثيرًا في مكان. ولم يكد جمال عبد الناصر يبلغ الثامنة من عمره حتى تُوفيت أمه في (2 أبريل1926)، وهي تضع مولودها الرابع "شوقي" بعد إخوته الليثي وعز العرب، وكان عمه "خليل"، الذي يعمل موظفًا بالأوقاف في القاهرة متزوجًا منذ فترة، ولكنه لم يرزق بأبناء، فوجد في أبناء أخيه أبوته المفتقدة، وحنينه الدائم إلى الأبناء؛ فأخذهم معه إلى القاهرة؛ ليقيموا معه حيث يوفر لهم الرعاية والاستقرار بعد وفاة أمهم. وبعد أكثر من سبع سنوات على وفاة السيدة "فهيمة" تزوج الوالد عبد الناصر من السيدة "عنايات مصطفى" في مدينة السويس وذلك سنة 1933، ثم ما لبث أن تم نقله إلى القاهرة ليصبح مأمورًا للبريد في حي الخرنفش بين الأزبكيةوالعباسية؛ فانتقل جمال عبد الناصر مع إخوته للعيش مع أبيهم. بعد أن تم نقل عمه "خليل" إلى إحدى القرى بالمحلة الكبرى، وكان في ذلك الوقت طالبًا في الصف الأول الثانوي. وهو في الثانية عشرة من العمر.

بعد حصول جمال عبد الناصر على شهادة الثانوية من مدرسة النهضة المصرية بالقاهرة، في عام 1937م، كان يتوق إلى دراسة الحقوق، ولكنه ما لبث أن قرر دخول الكلية الحربية، بعد أن قضى بضعة أشهر في دراسة الحقوق. دخل الكلية الحربية، وبعد تخرجه عام 1938م التحق بالكتيبة الثالثة بنادق، حيث تنقل في عدة مهمات منها إلى السودان، ثم عاد من السودان ليتم تعيينه مدرسًا بالكلية الحربية. وفي 29 يونيو 1944 تزوج جمال عبد الناصر من تحية محمد كاظم – ابنة تاجر من رعايا إيران – كان قد تعرف على عائلتها عن طريق عمه خليل حسين، وقد أنجب ابنتيه هدىومنى وثلاثة أبناء هم خالد، وعبد الحكيم، وعبد الحميد. وقد كان عبد الناصر أحد خمسة أعضاء في تنظيم الضباط الأحرار الذي تأسس في عام 1949 والذي عمل على الإطاحة بالملك فاروق في حركة يوليو/ تموز 1952م. وكان عبد الناصر هو الرئيس الفعلي للجنة التأسيسية للضباط الأحرار، ومن ثم فقد نشأ صراع شديد على السلطة بينه وبين محمد نجيب، ما لبث أن أنهاه عبد الناصر لصالحه في 14 نوفمبر1954م، بعد أن اعتقل محمد نجيب، وحدد إقامته في منزله، وانفرد وحده بالسلطة.

تولى السلطة من سنة 1954، إلى وفاته سنة 1970. وهو أحد قادة ثورة 23 يوليو1952، التي خلعت الملك فاروق عن الحكم، ليلعب جمال عبد الناصر بعد ذلك دورًا محوريًّا في السياسة محليًّا وعالميًّا.

فلقد كان لعبد الناصر دور قيادي وأساسي في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1964وحركة عدم الانحياز الدولية. واستطاع أن يعقد اتفاقية مع بريطانيا لجلاء قواتها عن مصر، وذلك في 19 أكتوبر1954، بعد أن اتفقت مصر وبريطانيا على أن يتم منح السودان الاستقلال. وفي العام 1958 أقام وحدة اندماجية مع سوريا، وسميت الدولة الوليدة بالجمهورية العربية المتحدة، إلا أن هذه الوحدة لم تدم طويلاً، حيث حدث انقلاب في الإقليم السوري في سبتمبر من سنة 1961 أدى إلى إعلان الانفصال، ثم تم عقد معاهدة وحدة متأنية مع العراق وسوريا سنة 1964 إلا أن وفاة الرئيس العراقي المشير عبد السلام عارف سنة 1966، ثم حرب 1967 حالت دون تحقيق الوحدة. علمًا أن مصر استمرت في تبني اسم "الجمهورية العربية المتحدة" وذلك لغاية سنة 1971، أي إلى ما بعد رحيل عبد الناصر بسنة. وبعد حرب 1967 كما سميت في إسرائيل والغرب، أو النكسة كما عرفت عند العرب، خرج عبد الناصر على الجماهير طالبًا التنحي من منصبه، إلا أنه خرجت مظاهرات في كثير من مدن مصر وبخاصة في القاهرة طالبته بعدم التنحي عن رئاسة الجمهورية.

يعتبر عبد الناصر من أهم الشخصيات السياسية في الوطن العربي، وفي العالم النامي للقرن العشرين، والتي أثرت تأثيرًا كبيرًا في المسار السياسي العالمي. عرف عن عبد الناصر قوميته وانتماؤه للوطن العربي، وأصبحت أفكاره مذهبًا سياسيًّا سمي تيمنًا باسمه وهو "الفكر الناصري" والذي اكتسب كثير من المؤيدين في الوطن العربي خلال فترة الخمسينيات والستينيات. وبالرغم من أن صورة جمال عبد الناصر كقائد اهتزت إبان نكسة 67 إلا أنه ما زال يحظى بشعبية وتأييد بين كثير من مؤيديه، والذين يعتبرونه "رمزًا للكرامة والحرية العربية ضد استبداد الاستعمار وطغيان الاحتلال".

ومن أهم انجازاته أنه قام بتأميم قناة السويس، وإنشاء السد العالي على نهر النيل، وساهم في تأسيس منظمة عدم ألانحياز مع الرئيس اليوغوسلافيتيتو، والإندونيسيسوكارنو، والهندينهرو. وعمل على تأميم البنوك الخاصة والأجنبية العاملة في مصر. وأصدر قوانين الإصلاح الزراعي، وتحديد الملكية الزراعية، والتي بموجبها صار فلاحو مصر يمتلكون للمرة الأولى الأرض التي يفلحونها ويعملون عليها. كما عمل على إنشاء التليفزيون المصري 1960م. وأصدر قوانين يوليو الاشتراكية 1961م، وقام على إبرام اتفاقية الجلاء مع بريطانيا في العام 1954، والتي بموجبها تم جلاء آخر جندي بريطاني عن قناة السويس ومصر كلها في الثامن عشر من يونيو 1956. وعمل على بناء إستاد القاهرة الرياضي بمدينة نصر، وإنشاء كورنيش النيل.، وإنشاء معرض القاهرة الدولي للكتاب. وعمل على التوسع في التعليم المجاني على كل المراحل. والتوسع المطرد في مجال الصناعات التحويلية. وإنشاء التنظيم الطليعي. كما قام على استصلاح الأرضي الزراعية حيث تم استصلاح حوالي مليون فدان. كما عمل على تطوير المجال الصناعي مما أحدث تغييرًا جذريًّا في الدخل والإنتاج القومي وتوفير الطاقة الكهربائية، وبخاصة بعد بناء السد العالي، وفرض التعليم الإلزامي حيث ارتفع عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية من 1.6 مليون إلى 3.8 مليون، وعدد تلاميذ المدارس الإعدادية والثانوية من 250 ألف إلى 1.500.000، وعدد طلاب الجامعات من 40 ألف إلى 213 ألفًا. وكان لعبد الناصر دور بارز في مساندة ثورة الجزائر، وتبني قضية تحرير الشعب الجزائري في المحافل الدولية، كما ساند عبد الناصر الثورة العسكرية التي قام بها ثوار الجيش بزعامة المشير عبد الله السلال في اليمن سنة 1962 ضد الحكم ألإمامي الملكي حيث أرسل عبد الناصر نحو سبعين ألف جندي مصري إلى اليمن لمقاومة النظام الملكي الذي لقي دعمًا من المملكة العربية السعودية. كما أيد حركة تموز 1958 الثورية في العراق التي قادها الجيش العراقي بمؤازرة القوى السياسية المؤتلفة في جبهة الاتحاد الوطني للإطاحة بالحكم الملكي في 14 تموز1958. وكانت آخر مهام عبد الناصر الوساطة بين الحكومة الأردنية والمنظمات الفلسطينية في قمة القاهرة في 26 إلى 28سبتمبر1970. حيث عاد من مطار القاهرة بعد أن ودع صباح السالم الصباح أمير الكويت، عندما داهمته نوبة قلبية بعد ذلك، وأعلن عن وفاته في 28 سبتمبر1970 عن عمر 52 عامًّا بعد 18 عامًا قضاها في رئاسة مصر. وقد توفي جمال عبد الناصر سنة 1970م، وكانت جنازته ضخمة جدًّا خرجت فيها أغلب الجنسيات العربية حزنًا على رحيله.