عرض مشاركة واحدة
قديم 10-02-17, 01:12 AM   المشاركة رقم: 59
المعلومات
الكاتب:
 ايوب صابر  
اللقب:
:: كاتب وباحث ::
الرتبة:

بيانات العضو
التسجيل: 05-12-16
العضوية: 831
المواضيع: 58
المشاركات: 335
المجموع: 393
بمعدل : 0.15 يوميا
آخر زيارة : 22-07-17
الجنس :  الجنس
نقاط التقييم: 1531
قوة التقييم: ايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant future


---وسام التميز الأول--- 

الإعـــــجـــــــاب
عدد الإعجابات التي قدمتها: 58
وحصلتُ على 122 إعجاب في 93 مشاركة

الحــائــط الإجتمــاعــي

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
ايوب صابر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
كاتب الموضوع : ايوب صابر المنتدى : قــطــرات الـقـصـة والروايــة
افتراضي

3 - نماذج من القصة القصيرة الفلسطينية :
بعد حرب عام 1948 م ، تمزق الفلسطينيون في كل بقاع الأرض ، ومن هنا تنوع المكان بتنوع تلك البقاع التي لجأ إليها الفلسطينيون ، كما تميز الزمن الفلسطيني بطعم خاص يختلف عن كل تلك الأزمنة التي يعرفها البشر ، وعيله فإنني سأحاول في هذه العجالة تغطية عنصري الزمان والمكان ولو بشكل جزئي في بعض القصص القصيرة في أماكن اللجوء الفلسطيني وفي مراحل زمنية مختلفة قدر الإمكان .
أولاً : القصة في الشتات :
1 - أحمد عمر شاهين :
أ - قصة " ذبابة " :
يبدأ الراوي قصته بقوله : " أجلس في الشرفة ، أنظر إلى الشارع ، جموع المتظاهرين وشرطي يحمل عصا غليظة ينهال بها عليهم .. "
نلاحظ أن المكان هنا شرفة محايدة يطل منها رجل محايد بينما الشارع يعج بالمتظاهرين الذين يلاحقهم شرطي بهراوته ، والشارع موجود بالتأكيد في مدينة عربية غير محددة ، والزمن هو الزمن العربي الردئ ، وخلال جلوس الراوي في الشرفة تلاحقه ذبابة لحوح ـ كما يفعل الشرطي الذي يلاحق المتظاهرين ـ تخرج الراوي من حياديته فيحاول إبعادها بيد أنها تكرر العودة بسماجة ؛ ضربها الراوي بالكتاب ولكنها لم تمت ، وقد قام أحد المواطنين بضرب الشرطي على رأسه، بعد ذلك هاجم النمل الذبابة وهاجم الجمهور الشرطي، نلاحظ هنا وجود استقطاب بين الشرفة والشارع ، مكان الإقامة ومكان العبور ، واستقطاب بين الشرطي والذبابة وبين النمل والجمهور . ( 15 )
ب - قصة " زيارة " :
شابان غريبان يقطنان بيتاً خرباً ومنعزلاً وسط الصحراء المترامية الأطراف ، ينامان في قاعة كبيرة هي المكان الوحيد المسقوف في هذا البيت الواسع ، أسوار البيت متهالكة تتسلل منها وحوش الليل ، مما أجبر الشابين على التسلح بعصا طويلة وقضيب من الحديد ومصباح قوي الإضاءة ، يستمد الراوي شجاعته من خوف زميله ، لكنه يشعر بالخوف حين يغادره هذا الزميل ويتركه وحيداً ، عندها لا يجرؤ الراوي على الذهاب إلى دورة المياه ، لأن كل الأشياء الموجودة في المكان تصبح مصدراً للخوف ، وذات ليلة يسمع الراوي طرقاً شديداً على باب القاعة الكبير ، يدرك الراوي أن شخصاً ما عبر السور دون استئذان ، يستغرب الراوي كيف وصل هذا الغريب للبيت على الرغم من أن الواحة وهي أقرب مكان للبيت تبعد أكثر من ألف متر " نلاحظ أن الراوي استخدم الرقم ألف متر بدلا من كيلو متر واحد ليظهر كم يجعل الخوف من المسافات بعيدة ، إنه البعد النفسي للخائف " .
وبعد أن يقوم الراوي بواجب الضيافة ينصحه الضيف بمغادرة المكان فوراً ، وقد فعل الرواي بالنصيحة ليعرف بعد عشر سنوات أن زميله دخل المعتقل مدة عشر سنوات ، وأنه خرج قبل أسبوع واحد فقط ، وقد سأله المحققون عن الراوي فلم يخبرهم لأنه لا يعرف مكانه حقيقة ، وقد تم ترحيل زميل الراوي بعد الإفراج عنه .
في هذه القصة نجد استقطاباً بين البيت المنعزل وبين الواحة ، وكأن الراوي يريد أن يقول لنا إن المناضلين يعيشون في عزلة عن الجماهير وأنهم محاصرون مطاردون ، أما الزمن فهو الزمن العربي الذي يمارس فيه الحكام عملية كبت الجماهير وقمعها .
2 - سميرة عزام :
قصة " فلسطيني " *
تحكي هذه القصة حكاية فلسطيني يعيش في لبنان يعاني من كونه فلسطينياً فيحاول أن يحصل على هوية لبنانية مقابل مبلغ ألفي ليرة بعد أن رفضها حين عرضت عليه بمبلغ خمسماية ليرة ، يريد الرجل أن يتخلص من التمييز الذي يتعرض له ، فلم يسمح لابنه بالعمل في لبنان ، ولم يسمح له بالسفر لحضور جنازة أبيه الذي مات في عمان ؛ مما اضطره أن يبرق لأخيه قائلا : " أخروه أسبوعاً أو فادفنوه " .
لقد أفرغ الرجل نصف واجهة محله من أجل الحصول على الهوية ولكنه يكتشف أن من ساعدوه في الحصول على الهوية هم أفراد عصابة من المزورين بعد أن رأى صورهم منشورة في إحدى الصحف ، يحاول الرجل إقناع نفسه بتمزيق الهوية حتى لا يقع في ورطة، يقول في نفسه : " مزقها ، مزقها ، فقد بدأت تأكل لحمك ، لماذا عدت ووضعتها في جيبك الداخلي ؟ هي ليست بألفيها أثمن من هذه الصحيفة التي دفعت فيها ربعاً ، مزقها فواجهتك ستمتلئ يوما وستظل حقيقتك مفرغة حتى تملأها بغير الزور ، بغير خديعة المزورين "
أخيراً يمزق الرجل الهوية المزورة ليعود إلى حقيقة كونه فلسطينياً على الرغم من كل التمييز الذي يمارسونه ضده ، فالفلسطيني يعيش في مكان إقامة مؤقت ، ويعيش حالة من الاستقطاب بين مكان الإقامة الإجباري في المنفى وبين الوطن الأم الذي طرد منه مجبراً ، أما زمن الأحداث فهو زمن ما بعد نكبة عام 1948 م .
3 - رشاد أبو شاور .
قصة " بيتزا من أجل مريم " *
يحدثنا الراوي في بداية القصة عن وجوده في صالة الانتظار في إحدى العيادات ، وهو يرسل نظرات إعجاب للمرضة آملا أن تدخله إلى الطبيب قبل غيره ، ولكنها تتشاغل عنه وتلتزم بالدور المسجل في دفترها ، وعندما جاء دوره يخبره الطبيب أن أعصاب القولون عنده تالفة بسبب الإرهاق ، يسأله الطبيب : " ماذا تريد أن تفعل بنفسك ؟ " فيرد عليه بأنه كان يحلم بتحرير فلسطين ، يتوقف الرجل بعد خروجه من العيادة عند باب البناية في انتظار أن يتوقف المطر ، راح يراقب طالبات الجامعة الأمريكية وهن ينفضن رءوسهن برشاقة ودلال ، ثم تختلط الأمور عند الراوي ، رذاذ خفيف ، ورائحة أشجار وبحر وأصوات انفجارات ورصاص بعيد، وريح باردة تلفح وجهه، بينما تضغط يده على الروشتة في حين راح يتساءل: لماذا لم يكتب له الطبيب في الروشتة : تصرف له مريم وبيت صغير وطفله الذي ثقبه الرصاص في أحشائها بدلاً من المهدئات ، من السرد ندرك أن مريم قتلت في عمان أثناء مجازر أيلول الأسود " كان أيلول قد جاء ، وأنت رحلت ولن تعودي " كما يتبين لنا أن " محمد " صديق الراوي قد أطلق نيران مسدسه وزغردت النساء مما جعل الراوي يعترض على ذلك لأن ابن الجيران الذي نظمه الراوي قد استشهد في هضبة الجولان .
فالفلسطيني موزع بين مناطق الشتات المختلفة والمناطق الحدودية مع إسرائيل ليخوض المعارك نيابة عن الجيوش العربية في حين يعيره العرب بأنهم يخوضون المعارك نيابة عنه وينكرون أنهم إنما يدافعون عن وجودهم هم وعن أوطانهم ، فقد خسر الفلسطيني كل شيء ولم يعد لديه ما يخسره بينما يوجد لدى العرب ما يخسرونه ، وقد خسر العرب كرامتهم نتيجة تخاذلهم وتقاعسهم ، يتساءل الراوي : " يا الله الكلي القدرة ، يا رب الشعوب ، أيها المطل علينا ، لماذا بالضبط أخذت مريم والمخلوق الفلسطيني الذي لم يتكون بعد ؟ ! ولماذا حملتني كل هذا العذاب طيلة سبع سنوات ؟ وجعلتني أدفع كل مخصصاتي للأطباء وأدمن العرق والويسكي والفاليوم والسهر والتذكر ؟ " .
الزمن الفلسطيني يكرر نفسه على شكل حالات من الانتظار الممل والقاتل ، فهو تارة يسحق إلى حد التلاشي لينبعث من جديد منتظراً أن يدور الزمن دورته ، يجلس الراوي في المطعم ويطلب من النادل وجبتين من البيتزا ولتر نبيذ وطني ، يسأل النادل عن الشخص الآخر الذي معه فيخبره بأنه ينتظره منذ سبع سنوات ، عشر سنوات ، منذ ولدته أمه ، ولكن مريم لا تأتي ، انتظار الراوي هنا ليس انتظاراً عبثياً كما هي الحال في انتظار جودو الذي لا يأتي أبداً ، فمريم التي هي رمز لفلسطين كما أعتقد قد تأتي يوماً ، بل إنها بالتأكيد سوف تأتي مهما تأخرت .
أخيراً يصاب الراوي بحالة أشبه بالهلوسة ، فهو حين يصل يجد المصعد معطلا ، مما يوحي بأنه يقيم في فندق ، وهو مكان إقامة مؤقت بانتظار الانتقال إلى مكان الإقامة الدائم ، يحاول أحدهم أن يساعده ولكنه يرفض المساعدة ويقرر الصعود على الدرج ، يرتقي الدرجات مع جنون أنغام الأرغول ، وعندما يصل إلى غرفته في الدور السابع يفتح الباب والنوافذ فيرى أو يتهيأ له أنه يرى دبابات ورشاشات ومدافع كثيرة تتقدم ، يرى مريم والبنت الصغيرة ذات الضفائر " التي هي مريم في طفولتها ، فيندفع والرصاص يخترقه ويثقب جسده بينما تتطاير أنغام الأرغول خارجة من جسده إلى الفراغ الرمادي ، كابوس يلاحق الفلسطيني أينما كان فهو يعيش حياته في اليقظة وفي المنام في حلم مزعج من الرصاص والموت والدمار ، يمتلئ الزمن الفلسطيني بالرصاص والموت والدبابات والانتظار ، كما تملأ حياته حالة من الاستقطاب الدائم ، فهو موزع بين الوطن والمهجر ، بين حلم العودة والرغبة في أن يعيش حياة سوية كريمة في أماكن إقامته المؤقتة ، ولكنه لا ولن يستقر ما لم يتحقق حلمه بالعودة إلى الوطن الأم .
نماذج قصصية من داخل فلسطين 1948 :
1 - إميل حبيبي .
قصة " بوابة مندلبوم " *
يضعنا الراوي من بداية القصة أمام حالة من الاستقطاب بين المصطلحات وبين أسماء الأماكن ، فالراوي يخبر الشرطي الذي يقف مكتوف اليدين أنه جاء مع الوالدة التي " تنوي الدخول إلى هناك بعد أن أذن لها بذلك " ، يرد الاشرطي : " بل قل يا سيدي إنها تنوي الخروج من هنا " ، هذا الخروج يشكل هدفاً تسعى إسرائيل لتحقيقه .
ينقلنا الراوي من حالة استقطاب المكان إلى الزمن حيث يخبرنا أنه كان في آخر الشتاء وأن الشمس كانت تطل على الربيع ، أما المنطقة الحدودية فقد كانت مليئة بالحطام ، كما توجد مساحة رحبة من الأسفلت المعفر " منطقة المصرارة " لها بابان ، يتسع كل باب لمرور سيارة خارجة أو داخلة ، أما عسكري الجمارك فقد أخبرهم أن " من يخرج من هنا لا يعود أبداً " ، وكأن هذا الشعور كان يراود الأم التي التفتت وراءها عند خروجها من البيت ولوحت لأشجار الزيتون ولشجرة المشمش الجافة ولعتبة الدار وتساءلت : " عشرين سنة عشت هنا فكم من مرة طلعت هذا الزقاق " ، كما نادت على الموتى من أقاربها حين مرت على المقابر في ضاحية المدينة ، وعلى الرغم من أن الوالدة بلغت من العمر خمسة وسبعين عاماً فإنها لم تجرب من قبل شعور الحنين إلى الوطن الذي يصعب عليها تحديد معناه .
يحكي لنا الراوي بعد ذلك كيف ادعى أخوه الأصغر أنه صاد طير الحجل الذي هبط في الحقل عندما كانوا في المقثاة ، ثم يعود من حالة التذكر إلى المنطقة الحدودية حيث سيارات رجال الهدنة وهيئة الأمم وسفراء الدول الغربية وهي تقطع الأرض الحرام من إسرائيل إلى الأردن وبالعكس ، وقد انطلقت الحفيدة عبر المساحة الممنوع دخولها متجهة نحو جدتها فيخفض الجندي الأردني رأسه إلى الأرض التي أخذ يتفحصها بقدمه ، أما الشرطي الإسرائلي فقد دخل مكتبه ، لقد دخلت الطفلة وادي الموت وعادت منه لتكسر واقع الحرب والحدود عند بوابة مندلباوم .
ربما أراد الكاتب في هذه القصة أن يشير إلى أن الفلسطينيين في الداخل كانوا يعيشون حالة من الحصار والعزلة المزدوجة ، فهم معزولون عربيا وإسرائلياً ، كما كانوا يعيشون حالة من الاستقطاب بين عزلتين ونظامين سياسيين وزمنين في مكانين أصبحا مختلفين ، يتطلع عرب الداخل إلى التواصل مع إخوانهم عبر الحدود المفروضة بالتواطؤ بين إسرائيل والدول العربية بحيث يتم تشتيت العائلات بين الوطن والمنافي مما جعل التواصل والاتصال أمراً صعب التحقق .
2 - حنا إبراهيم .
قصة " جمع الشمل " *
يواجهنا الراوي في هذه القصة بالومان والمكان وقد امتزجا معاً ، فالزمن هو ليلة من ليالي الشتاء الثاني للانتفاضة ، والمطر والبرد يجبران الناس على التزام بيوتهم ، ومع ذلك فقد كان المواطن ممنوعاً من الخروج لسبب آخر هو نظام منع التجول الذي أصدره الحاكم العسكري للمنطقة الوسطى .
يجوب النقيب إبراهام الشوارع مع جنوده في سيارة جيب عسكرية ، وهو يفكر في عبثية ما يفعلونه ، فقد مضى عام ونصف على الانتفاضة ، ومع ذلك لم تنخفض وتيرتها بل زادت الأمور تعقيداً ، يعود إبراهام إلى ثكنته للاستراحة فيجد " عميرام " سكرتير إحدى المستوطنات ، والذي قام بقتل أكثر من فلسطيني ويقود حملة لطرد الفلسطينيين وإنقاذ أرض إسرائيل منهم ، وقد جاء عميرام إلى الثكنة ومعه بعض المأكولات ، أخذ عميرام يدافع عن اثنين من مستوطنته قاما بقتل اثنين من الفلسطينيين في اليوم الماضي ، يدور حوار بين إبراهام وعميرام الذي يتهم إبراهام بأنه يتكلم كما يتكلم العرب .
يخرج إبراهام لمواصلة عمله في الدورية ولكنه ظل يفكر في كلام عميرام ، فقد أخبرته ابنة الجيران أن أمها قالت لها بأن أباه عربي رفضه أهل أمه وأجبروه على تركها بالقوة ، ولكن أمه أنكرت ذلك .
في اليوم التالي يخرج إبراهام مع جنوده لمواجهة أحداث متوقعة عند تشييع جنازة الشهيدين ، وقد تعالت الهتافات أثناء الجنازة ، وبعد الدفن تطايرت الحجارة فانفجرت قنابل الغاز ولعلع الرصاص ، تعمد إبراهام ألا يطلق الرصاص على أهداف حية ، ولكنه أصيب بحجر في عنقه أسال دمه فتم نقله إلى مركز الإسعاف في مقر الشرطة ، عج المكان بالجنود والمعتقلين ، قال له أحد الجنود مفتخراً : " قبضنا على الولد الذي ضربك ولقناه درساً لن ينساه مدى الحياة " وعلق جندي آخر " " ولكن أباه كاد يقتلك ..
- أنظر ماذا فعلت به ابن الزانية .. "
حاول إبراهام إلقاء نظرة على الرجل المحتضر ، وفجأة رأى صورة مألوفة ، على مقدمة العنق كانت علامة الولادة ، وحمة قرص العسل القاتمة ، تسمر في مكانه مذهولاً ، همس بصعوبة كأنما يخاطب نفسه : أيعقل أن يكون هذا هو أبي ؟
لقد قتل الجندي والد إبراهام وضرب أخاه ضرباً مبرحاً ، تعرف إبراهام على والده القتيل من الصورةالتي ظلت أمه تحتفظ بها، والتي طالما حدثته عن تلك العلامة في رقبة أبيه.
يريد الراوي أن يقول لنا إن التعايش بين الشعبين ممكن ولكن المتسلطين من الطرفين لا يريدون ذلك ، إن لم الشمل هنا لم يحدث بناءً على رغبة الحاكم العسكري أو رغبة وزير الدفاع ، لقد تحولت المواجهة بين أماكن العبور وأماكن الإقامة إلى مأساة ، فقد تعرف إبراهام على أبيه بعد موته .
نماذج قصصية من قطاع غزة والضفة الغربية :
1 - جمال بنورة :
قصة " الشيء المفقود " *
يحكي لنا الراوي قصة مناضل أفقده الاحتلال قدرته على ممارسة واجباته الزوجية ، مما جعله يعيش حالة من الصراع النفسي بسبب شعوره بالعجز ، ولكن زوجته تحاول أن تقنعه بأن العلاقة الإنسانية وقناعة الشريكين ببعضهما أهم من أي شيء آخر ،تحاول أن تقنعه بأنه ما زال يمارس دوره التضالي ، كما يحاول أن يعزي نفسه بذلك على الرغم من أنهم أماتوا جزءاً منه .
تحاول القصة أن تضعنا أمام سؤال مهم : ما هي الرجولة ؟ وهل تنحصر الرجولة في أداء الواجبات الزوجية فقط ؟ ولماذا يحاول المحتلون تحطيم قدرة الفلسطينيين على الإنجاب ؟
أخيراً تنجح الزوجة في إقناع زوجها بأنهما قد أنجبا طفلاً وهذا يكفي ، لقد أعمته الغيرة وكاد الشك أن يقتله بسبب هدوء زوجته ورضاها بما قسمه الله لها ، كما تأخذ الزوجة بيده للخروج من أزمته النفسية .
يسيطر زمن الاحتلال وما يمارسه على المناضلين على كل ما عداه في القصة ، لقد أوشك المكان على الاختفاء في ثنايا الزمن هنا .
2 - رجب أبو سرية :
قصة " في المدينة الغريبة "
تحدثنا القصة عن الصمت والهدوء القاتل والظلام وشخص يسرع الخطا نحو المجهول هربا من وشوشات يتخيلها تلاحقه على الرغم من وجوده في مدينة ، والمعروف أن المدن تتسم بالضجيج والحركة والأضواء الباهرة ، لكن المدينة هنا ليست مدينة عادية ؛ فهي مدينة غريبة ، يصطدم هذا الشخص بنتوء ظنه شاهد قبر ؛ فتخيل أنه سمع أنيناً ، جرى بأقصى سرعة ، وحين خرج من المدينة وجد كلبة دون رأس وهي تتلوى ، عندها التفت وراءه وكأنه يفكر في العودة إلى المدينة ، لكنه يتخيل أناساً يتشحون بالسواد ويتصايحون بلغة غير مفهومة ، لم تعد أعصابه تستطيع الاحتمال ، صحا من نومه مفضلاً أن يتعايش مع الصداع الذي ألم به على كوابيس المنام .
إنه الزمن الفلسطيني المزدحم بالهموم ليل نهار ، فقد تحول الحلم إلى كابوس مزعج أقض نوم المحكي عنه ، إنه ليل الغربة واللجوء إلى المنافي والمدن الغريبة التي عاش فيها الفلسطيني بعد النكبة .
3 - زكي العيلة :
قصة " سلال من لحم " *
تبدأ القصة بطفل تركه أخوه في السوق بعد أن أوصاه بأن يأخذ باله من السلال ، ولكن عودة الأخ تتأخر فيقلق الطفل ، ومن خلال السرد يتضح أن الأخوين كانا يذهبان مرتين في الأسبوع لإحضار السلال ، وأنهما كانا يضطران إلى الانتظار لأن التأخير مضمون والليل طويل ، وبعد نقل السلال إلى البيت يتم نقلها إلى سوق المدينة .
يحدثنا الراوي عن المعاناة التي يواجهها الطفل في حمل السلال ونقلها ، كما يعاني الطفل من أصحاب المحال التجارية والمطاعم الذين يمنعونه من عرض سلاله أمام محلاتهم ، وفجأة يحدث انفجار فتقف الكلمات في حنجرة صاحب المتجر الذي كان يحاول طرده ، يهرب أصحاب المحال التجارية وينسى التاجر أنه كان يحاول طرد الطفل فينصحه بالهرب ، ولكن الطفل يصاب برصاصة تكوي ظهره ، يركض فتأتيه ضربة ثانية ، تنفلت السلال وتدوخ نظراته ، تبتعد السلال عن عينيه ، تصيبه ضربة ثالثة فيتقصف لحمه كالبوص ، تصيبه ضربة رابعة فينقذف في الهواء ويقع على الأرض ، ينقلب فتنقلب السلال بعيداً فوق صفحة الشارع .
نلاحظ أن السوق يشغل مساحة مهمة في القصة القصيرة عموما والقصة الفلسطينية على وجه الخصوص ، كما يشكل عمل الأطفال من أجل كسب لقمة العيش ظاهرة واضحة في المجتمع الفلسطيني ، ولعل تقصف لحم الطفل يوحي لنا بما يجمع بينه وبين السلال ، حيث يقتات من الربح القليل الذي يجنيه من وراء بيع السلال ، كما يشغل الانتظار مساحة مهمة في هذه القصة . ( 16 )
4 - صبحي حمدان :
قصة " المرأة التي ترفض الرحيل " *
يرسل أحد المبعدين في بيروت رسالة إلى زوجته يطلب منها أن تتوجه إلى بيروت ، وعندما يصل حامل الرسالة إلى البيت يملأه صمت المكان بالرهبة ، تدخل الزوجة الرجل إلى غرفة الضيوف ، وفي أثناء جلوسه يحاول أن يتفحص جسد المرأة بعينيه .
يتضح من السرد أن الزوج اعتقل ثم أبعد ، وقد أخبر الصليب الأحمر الزوجة أن زوجها موجود في عمان وأنه لا أمل في عودته ونصحها بتقديم طلب جمع شمل في مكتب الجوازات ، فشلت الزوجة في الحصول على موافقة على طلبها ومع ذلك ظلت تصر على البقاء في الوطن وترفض جمع شمل العائلة خارجه .
في هذه كما في قصص أخرى تشكل قضية جمع الشمل قضية مركزية ، لكن تناولها يختلف من كاتب إلى آخر ، كما شكل مركز الجوازات مكاناً يرمز إلى الاحتلال ، وقد كان الفلسطينيون يتوجهون إليه كارهين وذلك من أجل جمع شمل أناس أعزاء عليهم ، لقد صمدت المرأة هنا واحتفظت بكرامتها مفضلة البقاءفي الوطن على الرغم مما تعانيه من تربية الأولاد.
5 - عبد الله تايه :
قصة " الانتظار "
يحكي لنا الراوي قصة زوجة تريد أن تتقدم بطلب جمع شمل لزوجها ؛ فتذهب إلى مكتب الجوازات ، تنتظر حتى يصلها الدور ، كانت تتوقع أن تنتظر ساعة على الأقل ، لكن الموظف الإسرائيلي المختص ينظر نحوها فتعجبه ؛ ينادي عليها مدعياً بأنها هي التي جاءت بالأمس فتصاب بالدهشة لأنها لم تكن قد أتت قبل ذلك اليوم ؛ ولكنها تستجيب لندائه ، وفي مكتبه يسألها عن الغرض من مجيئها فتخبره أنها تريد أن تتقدم بطلب جمع شمل لزوجها ، يطلب الموظف منها أن تعود إليه بعد غد بعد أن يحاول الإيحاء لها بأنه يشتهيها ، تدرك الزوجة أن عليها ان تختار بين أمرين : بقاء زوجها في الخارج مع محافظتها على شرفها أو جمع شمل زوجها مع التفريط بشرفها وعفتها .
تسقط المرأة بينما كانت أمها تعاني سكرات الموت دون أن تجد من يمد لها يد المساعدة ، ماتت الأم وبقيت الزوجة مع سقوطها الشنيع ، وقد ترك الراوي النهاية مفتوحة أمام توقعات القارئ واستنتاجاته .
ترى هل هو زمن السقوط ؟ وهل هذا السقوط مبرر ؟ إن هذا السقوط سيقود حتماً إلى سقوط آخر أشد مرارة وإيلاماً ، لقد وقعت أحداث القصة في زمن الاحتلال الذي يتسم بطابع الانتظار كما في معظم القصص ، أما مكتب الجوازات فهو المكان الذي كان الفلسطينيون تحت الاحتلال مضطرين لإنجاز معاملاتهم من خلاله مثل الحصول على تصاريح جمع الشمل والتنقل والعمل داخل إسرائيل بما ينتج عن ذلك من مساومات ومماحكات ، قد يكون التوجه إلى مكتب الجوازات مفهوماً ومبرراً ، أما التوجه إلى شقة ذلك الموظف في إسرائيل والسقوط عند أول امتحان فهذا أمر آخر . (17)
6 - عمر حمش :
قصة " أزهار إلى مقبرة المخيم "
المكان في هذه القصة هو المخيم بشوارعه القذرة وقنوات المياه الآسنة والأطفال يلعبون ويتصايحون متجين مع القنوات القذرة إلى البركة ، يتجمع الأطفال وراء الشيخ درويش وهم يهتفون :
شيخ درويش يا شيخ درويش .. لا بتموت ولا بتعيش .
يتوجس جنود الدورية من تجمعات الأطفال فيتوزعون في المكان ، عندها يتحول هتاف الأطفال نحو الجنود فيصيحون : بيعه . . بيعه .
يطلق الجنود قنابل الغاز والرصاص فتنهال عليهم الحجارة ، يصيب الرصاص الشيخ درويش في مقتل وتعلن إذاعة الاحتلال أن جنود الجيش قتلوا شيخاً بعد أن هاجم إحدى الدوريات ، تجمع الأطفال وجمعوا بعضاً من الأزهار التي تنمو على حافة البركة الآسنة وتوجهوا إلى مقبرة المخيم ليضعوها على قبر الشيخ درويش .
المكان هنا هو المخيم ، مكان ما بعد الخروج الفلسطيني الكبير عام 1948 م ببؤسه وقذارته وما يترتب على ذلك من انتشار الأمراض والأوبئة ، أما الزمن فهو زمن الاحتلال الذي أبى إلا أن يلاحق الفلسطينيين فيما تبقى لهم من فلسطين . (18)

7 - غريب عسقلاني :
قصة " الجوع " *
تناقش القصة قضية مناضل خرج من السجن ولم يجد عملا يوفر القوت لأسرته فلم يجد أمامه إلا العمل في إسرائيل ، ظل يحاول الخروج إلى العمل مدة أسبوع كامل ، ولكنه كان يعود كل يوم إلى البيت بسبب خجله من ذلك ، لأنه كان يمنع الآخرين من العمل هناك ، وأخيراً يغطي وجهه بالكوفية ويتوجه إلى دوار المجدل ، وهناك يختاره أحد المقاولين ليعمل معه في البناء ، يفاجأ الشاب بأنه سيعمل مع " أبو محمود " الذي سبق وأن قام بتمزيق بطاقة العمل الخاصة به ، تذكر موجة الرعب في عيني الرجل يومها ولعن ما حمله له هذا اليوم من مفاجئات ، يطلب منه أبو محمود أن يعمل مع عزرا الذي مد يده مصافحاً سعيد ، وأثناء العمل يقع عزرا بسبب الإرهاق ، ولما جاء المقاول شلومو وجد أبا محمود وسعيد وقد تركا العمل لإسعاف عزرا ، طلب منهما الذهاب إلى العمل بعد أن شتمهما ، حاول سعيد أن يثأر لكرامته لكن أبا محمود وعزرا نصحاه ألا يفعل ، وقد قام شلومو بطرد كل من سعيد وأبي محمود من العمل .
تناقش هذه القصة قضية العمل في إسرائيل والتمييز الطبقي تحت الاحتلال ، وكيف أجبرت لقمة العيش المناضلين على العمل في الداخل بعد أن كانوا يعارضون ذلك ويعتبرون أن منع العمل هناك قضية أساسية .
8 - محمد أيوب :
قصة " الخيمة " *
يشكل الانتظار عنصراً مهماً في هذه القصة حيث الزمن النفسي الطويل والثقيل ، يخبرنا الراوي أن رجلاً ينتظر استلام خيمة لإيواء أسرته ، ولكنه يعود كل يوم خائباً لأن الخيام تنتهي قبل أن يصله الدور ، من خلال سيال الوعي يفكر الرجل في نوع الخيمة التي قد يتسلمها ، كما يتذكر رحلاته إلى منطقة روبين قبل النكبة ، وكيف كانت الخيمة وقتها مصدراً للمتعة والراحة والتخفف من روتين الحياة الممل .
لقد خدعت الجامعة العربية الفلسطينيين حين جعلتهم يعتقدون أن مغادرتهم للوطن لن تطول أكثر من أسبوع أو بضعة أسابيع ، وقد أخذ الزمن يمر دون أن تظهر أية بادرة للعودة المرتقبة .
يعيش حسن الحاج على حالة من الصراع النفسي ، فهو متردد بين استلام الخيمة أو رفضها ، ولكنه يقرر في النهاية أن يتسلم الخيمة كي يوفر المأوى لأسرته قبل أن يعود إلى أرض الوطن .
تشكل الخيمة هنا رمزاً للمعاناة وللمكان غير المستقر ، أما الزمن فهو زمن النكبة حيث غادر الفلسطينيون منازلهم على أمل العودة إليها في أقرب وقت ، لكن الانتظار يطول دون أن تتحقق العودة بل يتحول الزمن إلى كابوس من الانتظار المر .
د . محمد أيوب












عرض البوم صور ايوب صابر   رد مع اقتباس
الأعضاء الذين آرسلوا آعجاب لـ ايوب صابر على المشاركة المفيدة: