[الخضيري]

تحريم الاصياد في المدينة وتحريم قطع شجرها
###############
وكما تواتر عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم تحريمُ الاصطياد فى حرم المدينة، وتنفيرُ صيدها، كذلك تواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم تحريمُ قطع الشجر وقلعه، وحَشِّه ـ بإستثناء بعض الأمور سأتعرض لذكرها، وسيرد بعضها فى ثنايا الأحاديث .

والمراد بالشجر الذى يحرُمُ قطعُه هو الذى لا دخل للإنسان فيه ولم يستنبته . وفى حديثُ سعدٍ رضى الله عنه، وفيه (إنى أحرِّمُ ما بين لابتى المدينة؛ أن يُقطعَ عضاهُها ..) .

وحديثُ جابر بن عبد الله رضى الله عنهما، وفيه (لا يُقطعُ عضاهُها ...) .

وحديثُ علىٍّ رضى الله عنه، وفيه (لا يُختلى خَلاها.. ولا تُقطعُ منها شجرةٌ إلا أن يعلف رجلٌ بعيرَه) .

وحديث أبى هريرة رضى الله عنه، وفيه (لا يعضدُ شجرُها.. ) .

وحديث عبد الله بن سَلام رضى الله عنه، وفيه (ما كنت لأقطعَ به شجرةً.. ) .

يضاف إلى هذه الأحاديث ما يلى :

عن أنس بن مالك رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " المدينةُ حَرَمٌ من كذا إلى كذا: لا يُقطعُ شجرُها، ولا يُحدَث فيها حَدَثٌ، من أحدث فيها حدثاً فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين " لفظ البخارى[1] وإلا فهو متفق عليه .

وعن عاصم الأحول قال: سألت أنساً رضى الله عنه ـ أحرَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؟ قال: نعم، هى حرام لا يُختلى خلاها، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) متفق عليه، واللفظ لمسلم[2] .

ـ وفى حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه ـ وقد سبق ذكره مطولاً فى قصة غزوة بنى لحيان ـ وفيه قال صلى الله عليه وسلم: " .. اللهم إنَّ إبراهيم حرَّمَ مكة، فجعلها حَرَماً، وإنى حرمتُ المدينةَ حراماً ما بين مَأزِمَيْها، أن لا يهراقَ فيها دَمٌ، ولا يُحملَ فيها سلاحٌ لقتال، ولا يُخبطَ فيها شجرةٌ إلا لعلف.. " رواه مسلم .

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يُخبط ولا يُعضد حِمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن يُهشُّ هشاً رفيقاً ". رواه أبو داود ـ واللفظ له ـ والطبرانى فى الأوسط بأطول ـ والبيهقى، وحسنه الهيثمى وصححه ابن حبان[3] .

ـ وقد مر حديثُ عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، قال صلى الله عليه وآله وسلم: " لكل نبىٍّ حَرَمٌ، وحَرَمى المدينةُ .. ولا يُختلى خلاها، ولا يُعضد شوكُها، ولا تُؤخذ لقطتُها إلا لمنشد " لفظ أحمد فى المسند .

عن عدى بن زيد رضى الله عنه قال: حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحيةٍ من المدينة بريداً: لا يُخبط شجرةُ ولا يعضد، إلا ما يساق به الجَمَلُ) رواه أبو داود بسند ضعيف، لكن يشهد له ما قبله وله متابع[4]، والله أعلم ...

ويلاحظ العبارات التالية (لا يُعضد شجرها) (لا يقطعُ عضاهها) (لا يُختلى خَلاها) (ولا تُقطعُ منها شجرةٌ إلا أن يعلفَ رجلٌ بعيرَه) (لا يُخبط فيها شجرةٌ إلا لعلف) (لا يخبط ولا يعضد ، ولكن يهش هشاً رفيقاً) (لا يعضد شوكُها) (لا يخبط شجرة ولا يعضد إلا ما يساق به الجَمَلُ) هى نفس العبارات التى وردت فى الحرم المكى .

فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: " لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استُفِزتُم فانفروا، فإن هذا بلدٌ حرَّمه الله .. لا يُضدُ شوكُه، ولا يُنفَّرُ صيدُه، ولا يَلتقط لُقَطَتَه إلا مَنْ عَرَّفها، ولا يُختلى خلاها " قال العباس: يا رسول الله إلا الإِذخر، فإنه لِقَيْنهِم وبيوتهم، قال: قال (إلا الإِذخر) متفق عليه[5] .

وفى لفظ: (لا يعضد شجرها) .

وقد ورد هذا المعنى عن أبى هريرة رضى الله عنه، ولفظ حديثه (لا يُخبط شوكُها، ولا يُعضد شجرُها..) وفى رواية (لا يُختلى شوكها) متفق عليه[6] أيضاً .

وقد ورد هذا المعنى عن عدد من الصحابة .

وقد حكم علماء الأمة على تحريم صيد الحرم، وتحريم قطع شجره وخبطه، واختلاء خلاه، ونفس الألفاظ وردت وفى نفس الصحة والقوة فى الحرم المدنى أيضاً، وهذا ما ذهب إليه جماهير علماء الأمة أيضاً. والله أعلم .

وكما استثنى (الإذخر) فى الحرم المكى، استثنى فى الحرم المدنى (العلف، وما يُساق به الجَمَلُ، ويكون ذلك بالهش الرفيق) لا بالخبط والتكسير. وسيأتى بيان ذلك إن شاء الله تعالى .


[1]ـ صحيح البخارى: كتاب فضائل المدينة: باب حرم المدينة .

[2]ـ صحيح البخارى: كتاب الإعتصام: باب إثم من آوى محدثاً. وصحيح مسلم: كتاب الحج: باب فضل المدينة.. رقم (464) .

[3]ـ سنن أبى داود: كتاب المناسك: باب فى تحريم المدينة، رقم (2039) والسنن الكبرى (5 : 200) رواه مرفوعاً وموقوفاً، وصحيح ابن حبان (6 : 25) ومجمع الزوائد (3 : 302 ـ 303) وانظر نيل الأوطار (5 : 101)

[4]ـ سنن أبى داود: فى الكتاب والباب السابقين رقم (2036) وانظر تحفة الأشراف (7 : 285) لبيان المتابع له. وانظر أيضاً مصنف عبد الرزاق (9 : 261) وفضائل المدينة (47) .

[5]ـ صحيح البخارى: كتاب الحج: باب فضل الحرم، وكتاب جزاء المحصر: باب لا ينفر صيد الحرم، وباب لا يحل القتال بمكة، وفى غيرها. وصحيح مسلم: كتاب الحج: باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها..،رقم (445) .

[6]ـ صحيح البخارى: كتاب العلم: باب كتابة العلم، وفى غيرهما. وصحيح مسلم: فى الكتاب والباب السابقين، رقم (447 ـ 448) .