عرض مشاركة واحدة
قديم 16-01-17, 07:34 AM   المشاركة رقم: 24
المعلومات
الكاتب:
 ايوب صابر  
اللقب:
:: كاتب وباحث ::
الرتبة:

بيانات العضو
التسجيل: 05-12-16
العضوية: 831
المواضيع: 58
المشاركات: 335
المجموع: 393
بمعدل : 0.15 يوميا
آخر زيارة : 22-07-17
الجنس :  الجنس
نقاط التقييم: 1531
قوة التقييم: ايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant future


---وسام التميز الأول--- 

الإعـــــجـــــــاب
عدد الإعجابات التي قدمتها: 58
وحصلتُ على 122 إعجاب في 93 مشاركة

الحــائــط الإجتمــاعــي

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
ايوب صابر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
كاتب الموضوع : ايوب صابر المنتدى : قــطــرات الـقـصـة والروايــة
افتراضي

ها هي القصة التي كتبتها من وحي هذه الورشة . اتيت بها هنا لعلها تجد من يغوص في ثناياها محللا نقاط قوتها وضعفها .
طبعا حاولت في بناء هذه القصة التركيز على الشخصية لكنني حشدت الكثير من العناصر الاخرى حتي يكون للنص بالغ الأثر على المتلقي :


خطأ في التشخيص

عبر احمد البوابة الزجاجية الي غرفة الانتظار في مختبر المدينة الطبي وهو متردد وغارق في الهم والتفكير في مشاكله الصحية التي كادت ان تكتسب مع الأيام صفة المرض المستعصي والمزمن رغم مراجعاته المتكررة للأطباء الذين تعددت مجالات تخصصهم ومشاربهم.

كانت ملامح الخشية من نتيجة فحص الدم ترتسم على ميحاه، وتثير جهازه العصبي، فبدى في لحظتها متوترا فوق العادة، فهو يكره لون الدم، ووخز الابر، بل هو يمقت كل ما يمت الي الطب والأطباء بصلة، وهو موقف غير اصيل لديه، لكنه اكتسبه مع الأيام لعجزهم عن مساعدته وعلاجه، ورغم ان هذه ليست اول مرة يجري فيها فحص دم، لكنها اول مرة يجري فيها مثل هذا الفحص الاستكشافي الشامل، وهو متوجس خيفة وهو يستشعر كل الاحتمالات المفتوحة على مصارعها.

بالأمس كان قد حسم امره بإجراء هذا الفحص دون الرجوع الى الطبيب هذه المرة، وعلى الرغم ان أحدا حوله لم يشجعه على ذلك، مستذكرا كيف ان طبيب الاسرة كان قد زجره حينما طلب منه إجراء فحص دم شامل له قبل سنوات، ونصحه الطبيب حينها بممارسة الرياضة، وان يبعد عن نفسه الأفكار السوداء، مفندا رايه بانه لا حاجة لشاب مثله، يبدو بكامل صحته، ولياقته البدنية بذلك الفحص...فمثل تلك الفحوص تجرى لمن اكل الدهر على محياهم وشرب...ولمن زحفت على رأسه جيوش الشعر الأبيض...او على الأقل من ظهرت على قسماته اعراض الاصفرار والتعب والمرض، وهو لا يظهر عليه أي من تلك المظاهر المرضية ابدا...بل على العكس، يبدو رياضيا مفعما بالحياة، ومظهره اقرب الى مظهر ابطال كمال الاجسام.، تعلو وجنتيه حمرة ملفتة...

وها هو اليوم يجد نفسه مترددا في عبور تلك البوابة، يقدم رجل ويؤخر أخرى، وكأنه يخطو عبرها من عالم الصحة الي عالم المرض والالم والمستشفيات...فمن يدري ماذا ستظهر تلك الفحوصات؟؟!! فعلى الرغم انه دائما ما كان يواجه بصيحات الاستهجان حينما يشتكي، هو يشعر في قرارة نفسه بأن خطأ ما يلم ويعصف به منذ سنوات طويله، تزيد على العشرة، ومنذ ان كان في سنته الجامعية الأولى.

لكن أثر ذلك الشعور المرضي المخيف تفاقم مؤخرا بشكل مرعب وغير مسبوق، ولم يعد يصدق وكما قالوا له انها مجرد أوهام، ووسواس، وتصورات يخترعها عقله الذي لا ينفك هذه الأيام يفكر بالمرض؟؟!! وهي اتهامات كان يسوقها حتى أقرب الناس اليه ولطالما ضاعفت المه، وافقدته الثقة بكل شيء، وجعلته يفكر بينه وبين نفسه، بأنه ربما يكون فعلا مريضا نفسيا، وكان اشد ما يخشاه وسره الدفين الذي قبره في ثنايا صدره، هو فقدانه للسيطرة على نفسه، السائرة على ما يبدو في درب الجنون لتصل به في نهاية المطاف الى مستشفى الامراض النفسية والعصبية او الانتحار.

وما ان دفع الباب ليعبر بوابة المختبر حتى دق الجرس المخصص لمثل هذه الأماكن العامة مشعرا من بالداخل عن وصول مراجع جديد... بادرته الممرضة المكتنزة التي برزت له مبتسمة من غرفة جوانيه، واضح ان رنة جرس الباب لفتت انتباهها له، وبادرته بالسؤال عن حاجته وكيف يمكنها ان تساعده؟

- فأخبرها برغبته في اجراء فحص دم شامل...فاستفسرت عن تحويلة الطبيب فرد عليها بأنه لم يأت بواحدة لأنه يريد اجراء فحص روتيني استكشافي شامل...

فأمسكت الممرضة بقلمها ودونت في ورقة نموذج طبي امامها أنواع الفحوص التي قررت ان تجريها له بعد ان سألته عن شكواه؟

- فرد عليها بأنه يشعر بإرهاق وتعب شديد وشبه دائم، ولا يكاد يستيقظ من النوم، كما انه يشعر بأوجاع هنا وهناك، وأشار لها نحو نقاط محددة على رجليه ويديه ومفاصل عظامه... وقص عليها باختصار شديد قصته الطويلة والمؤملة مع المرض، والوهم، والوسواس القهري الذي اتهموه فيه حتى كاد ان يسلم له امره... تلك القصة التي تعود بداياتها الى عشر سنوات، مضت من عمره دون ان يشعر فهيا بطعم السعادة والهناء... بل سيطرت عليه خلالها مشاعر الكآبة والمرض والالم واليأس ومخاوف من فقدان السيطرة وربما الانزلاق في متاهات الجنون... واخبرها كيف انه أصبح مع مرور الزمن...على وشك فقدان عقله لولا انه احتفظ في ثنايا قلبه ببصيص امل لعله يخرجه يوما ما من هذه الدوامة شديدة العتمة والبؤس... وصار لا بد له ان يطمئن بعد ان تفاقمت حالته...فلعل وعسى ان يسعفه هذا الفحص ويخلصه من ذلك المأزق السرمدي...خاصة ان قراءاته الأخيرة في مواقع البحث على الشبكة العنكبوتية فتحت له نافذة من التفاؤل وضاعفت من قوة شعاع الامل الكامن في قلبه، حينما قرأ عن حالات مرضية لها نفس الاعراض التي ظل يشعر بها طوال تلك المدة التي قاسا فيها الامرين...
وما ان انتهت الممرضة من الكتابة حتى اشارت اليه بالدخول الي الغرفة الصغيرة المجاورة... فسار باتجاه الغرفة بتثاقل، وما لبث ان استدار بوجهه نحوها بعد ان سار مبتعدا عنها خطوتين او ثلاثة خطوات على الأكثر، ونبهها ان تهتم أكثر ما تهتم بفحص الغدة الدرقية لغرض في نفسه...

عبر الى غرفة الفحص وجال ببصره فهيا بنظرات فاحصة سريعة، فوجدها غرفة صغيرة اشبه بزنزانة أحد السجون، لا يوجد فيها سوى كرسي واحد مخصص لجلوس مرضى فحوص الدم، والى جوارها خزانة خشبية مطلية باللون الأبيض، تملأ رفوفها أدوات طبية متنوعة...قطن، وشاش، ومطهر، وقناني صغيرة لتخزين الدماء المسحوبة لحين نقلها الى ماكينات الفحص داخل المختبر، وعلى جدار الغرفة المجاور لموقع الكرسي يوجد مسمار وحيد دق في الحائط وعلق عليه حبل مطاطي مخصص لشد اليد لزوم ابراز الاوردة لتسهيل علمية سحب الدم ...

لم يطل انتظاره هناك فما ان انتهى من رفع كم قميص يده اليمنى، وكشف عن ساعده حتى بادرته الممرضة بقولها وهي تقف الى جواره ممازحة...

-تبدو شاحبا هل تخشى الابر ام هو منظر الدم؟؟

ووعدته بأن تكون يدها خفيفة، وان لا يشعر بالألم، وما عليه الا ان يسترخ هو ويساعدها على انجاز المهمة بسرعة ويسر...

سلمها يده مكرها، واشاح بوجهه الي الجهة الأخرى، وتنفس تنفسا عميقا، وحاول ان يكتم نفسه لعل ذلك يساعده في عدم الشعور بألم وخزة الابرة كما اعتاد ان يفعل في مثل هذه المواقف...وما هي الا ثوان قليلة حتى فكت الممرضة الحبل الذي لفته حول ساعده، وغطت مكان وخزة الابرة بقطعة بلاستر معقمة...واخبرته ان المهمة أنجزت بسلام وطلبت منه ان يعود للحصول على النتائج بعد ساعتين على اقل تقدير...

غادر المختبر وهو يتحسس مكان الابرة، يفكر ويسأل نفسه كيف سيقضى كل هذا الوقت وهو بانتظار نتائج هذا الفحص المصيري؟ وتمتم في نفسه...ياه ...الساعتين تكونان بطول سنتين ما دام الامر يتعلق بحالة انتظار نتائج فحص دم ربما يأتي بنتائج كارثية، مرعبة ...فمن يدري؟!

لم يشأ ان يعود الي المنزل...اراد ان يعرف نتائج فحص الدم أولا...وصار يدور في شوارع المدينة على غير هدى، يحاول قتل الوقت الذي اخذ بدوره يدور ببطء شديد لم يشهد له مثيل من قبل...

اتجه أولا نحو الشرق وسار حتى وصل الى دوار جمال عبد الناصر الذي هو مركز السوق التجاري ونقطة استقطاب تجار المدينة والمتسوقين، وهو قلب المدينة النابض... ومن هناك اتجه غربا عبر شارع فلسطين، ثم انعطف الى شارع سفيان، وشارع العدل، ثم اوغل في الاتجاه غربا حتى وصل الى منتزه البلدية، لعل المكان بأشجاره الوارفة، وسحر الطبيعة، وخضرة العشب الذي يغمره واصوات العصافير التي تسكن على الأشجار والعاب الأطفال ومرتادي المكان تسري عليه همه، وتخفف عنه وطأة الانتظار والزمان الذي بدى له سرمديا، وصار يستعجل انقضاؤه بصبر وملل وخشية وتحسب...

كان يسلي نفسه اثناء سيره في شوارع المدينة بالنظر في بترينات المحلات التجارية، ويستمع لأصوات الباعة المتجولين...يمعن النظر بوجه هذا، ويشيح بوجهه عن ذاك...يحاول جاهدا ان يشغل نفسه عن التفكير بفحص الدم ونتائجه، وعن قصته مع المرض والالم، وكل الاحتمالات التي قد يجد نفسه مضطرا للتعامل معها في لحظة حقيقة مدوية...لكن الافكار كانت تدور هي أيضا في رأسه كحجارة الرحى...تتوالد كالأفاعي، تتلوى في جحورها ولا تكاد تتوقف ابدا... أفكار تطغى عليها السلبية، والتشاؤم...فيا لها من لحظة قد يضطر الانسان فيها لسماع خبر مدو على مسامعه، له وقع سقوط كوكب من السماء، الى الارض بسرعة الضوء...

كان من الصعب عليه ان يجد مساحة للتفاؤل ...لكنه ظل متمسكا ببصيص امل...وظل طوال فترة انتظاره يتفحص عقارب الساعة التي علقها في معصمه...يتابع حركتها وهي تسعى، وكأنه يستحثها على ان تسرع الخطى والدوران... هو لا يعرف تحديدا كم عدد المرات التي حملق فيها بميناء ساعته، لكنه شعر بأنها تزيد على مئة مرة... وقد تقاربت تلك النظرات الفاحصة في ربع الساعة الأخير، التي بدت فيها حركة عقارب الساعة له ابطأ من أي وقت مضى على الاطلاق... كان ينظر اليها نظرة فاحصة تلو الأخرى، تتبعها ثالثة ورابعة وخامسة وأخرى، وأخرى... وما ان وجدها قد ارتسمت في وضع يشير الى اقتراب الموعد وانتهاء مدة الانتظار حتى تحرك راجعا باتجاه الشرق نحو المختبر، واتخذ من اجل الوصول الى هناك طريقا مستقيما...

سار بهمة وسرعة غير معهودة لديه منذ زمن متجها نحو المكان، وما ان اجتاز باب المختبر حتى وجد الممرضة ذاتها تستقبله وكأنها كانت في انتظاره...وباشرت فورا في قراءة نتائج الفحوص له...واحد تلو الاخر وهي تصفها بالممتازة في كل مرة حتى وصلت الي الصفحة الأخيرة التي بدى له انها جعلتها الأخيرة عن قصد وسابق تخطيط...وبعد تردد لم يطل بادرته وهي تحملق في الورقة الأخيرة بالقول كل نتائج الفحوص عندك ممتازة...ولكن؟؟!!

وما ان سمع كلمة لكن هذه حتى كاد قلبه يسقط بين رجليه...وسمع نفسه يتمتم بكلمات يا ساتر...يا رب سترك...

وتابعت هي الحديث لكن فحص الغدة الدرقية يشير الى كسل شديد، ونقص رهيب في افرازاتها. وشرحت له بأن النسبة الطبيعة لهرمون الـ hts في الانسان العادي السليم يجب ان لا يتجاوز الرقم 5...وهو في دمك ارتفع ليتجاوز المائة...واكدت له ان الماكنة التي تقيس هذا الهرمون والذي يؤشر على نشاط الغدة الدرقية او كسلها توقفت في قراءتها عند الرقم 100 لأنه اعلى مقياس مسجل عليها مما يعني ان نسبة الهرمون في دمك تزيد حتما عن قدرة الماكنة على القياس وهو امر غريب قلما يحصل...وتابعت وهو منصت باهتمام...وذلك يعني أنك كنت تعاني من كسل الغدة الدرقية منذ فترة طويلة جدا ربما؟؟!! وفي تصوري ان سبب كل ما اصابك وجرى لك كما في قصتك التي قصصت علي، يعود لنقص جسيم في هرمون الغدة الدرقية... وهذا يعني أنك كنت ضحية لخطأ في التشخيص...خطأ شنيع ومستهجن...فالعلاج بسيط... وبسيط جدا...

لجمته المفاجأة...فلم ينبس ببنت شفة...ولم يعرف أيفرح ام يحزن لهذا الخبر الصادم، المزلزل...الذي يبدو مرعبا ...

عاد بذاكرته الى الوراء، يستعرض في ثوان شريط ذكرياته المريرة مع المرض ...يا إلهي؟؟!! ...عشر سنوات من الألم والمرض والكآبة والخوف... والسبب في كل ذلك كما تقول ربما يعود الى كسل في الغدة الدرقية...وشتم في سريرته حظه النحس، وكل الأطباء الذين زارهم خلال رحلة الطويلة مع المرض...

كان هول المفاجأة عليه ساحقا ماحقا للوهلة الأولى، فهذه صدمة من العيار الثقيل... لكنه ما لبث ان استجمع قواه وابتسم في قرارة نفسه حينما تذكر ان ذلك ربما يفسر كل وساوسه ومآسيه وآلامه، ويعني باختصار انه ليس في طريقه الى فقدان السيطرة...

وقبل ان يعود الى المنزل مر على حلويات شهرزاد في آخر شارع فلسطين...وابتاع منها طبق من الكنافة النابلسية الشهيرة... أراد ان يحتفل مع اهله بالخبر الكارثي الذي وضع نهاية سعيدة لمآسيه واغلق الى غير رجعه باب خشيته من الجنون...













التعديل الأخير تم بواسطة ايوب صابر ; 18-01-17 الساعة 09:30 AM
عرض البوم صور ايوب صابر   رد مع اقتباس
الأعضاء الذين آرسلوا آعجاب لـ ايوب صابر على المشاركة المفيدة: