وُلد شاعرنا إدريس محمد جماع بحلفاية الملوك في العام (1922) وكان والده المانجل محمد هو شيخ القبيلة .. نشأ إدريس بمنزل المانجل والده بحلفاية الملوك حيث كانت عائلته وهي من أصول ملوك الدولة آنذآك .. و قد نهل من فيض كثير للقيم حيث الشهامة والكرم والرجولة حيث كانت محاكم حلفاية الملوك تشهد من والده قوة حكم وعدل .. أما والدته فهي بتول محمد الشيخ .. وهو الابن البكر لأمه تليه شقيقتاه آسيا وفاطمة .. توفيت والدته وهو بعد صغير .. وبعد وفاة والدة إدريس تزوج والده من زوجته و أنجب منها بقية اخوته .. درس الشاعر إدريس جماع بخلوة محمد إبراهيم بالحلفايا .. ودرس بعد ذلك بمدرسة الحلفايا الأولية .. ومنذ بواكير طفولته ظهر نبوغه وميوله الشعرية .. و كانت الإدارة الانجليزية في ذلك الوقت تختار المبرزين من التلاميذ وترسلهم إلى معهد تعليم عريقة إما في مصر او السودان .. بدافع وضع أساس متين للتعليم بالسودان .. فتم اختيار إدريس جماع ضمن هؤلاء .. وبالفعل ذهب في العام 1936م والتحق بمعهد التربية و كان من المميزين .. ثم أخذ في نظم الشعر .. فكانت كل أعياد البلدة تقدمه ليلقي قصائده .. واستمر هذا الحال حتى بعد تخرجه واشتغاله بالتدريس .. و كان مرهف الإحساس و الطيبة .. و خاض شاعرنا خلال هذه الفترة تجربة الحب .. حيث كانت التجربة الأولى في حياته فكان عاشقا ً لا شك في ذلك بل كان متيماً بحب جارته وقد كانت من الجميلات الفاتنات ثم توجه بعد ذلك إلى مصر للدراسة الجامعية .. واتفق مع حبيبته على الزواج بعد عودته من مصر .. و بالفعل نال ليسانس الآداب .. و لكن وجد أن محبوبته قد تزوجت وفاز بها أحد أقربائها .. فأصابه ما أصابه من هذه التجربة التى عاشها بكل إحساسه وجوارحه و وجدانه .. وكانت تجربة قاسية وهذا واضح جدا ً في شعره بل في سلوكه فقد تغير حاله وتبدل .. وأصبح يمشي هائما ًعلى وجهه دون أن يحدد وجهة يسير إليها .. فمرة عند شاطئ النيل يتابع الموج بنظره ومرة بين الأشجار يغني مع الطيور ومرة يجلس على قضيب السكة الحديد .. وقد أتى في هذه الفترة بروائع الشعر .. فقد وهب هذا الرجل حياته كلها للحب الذي جرى وراءه ولكنه قبض السراب فقد ضاع منه كل شيء .. فكانت السنين الأخيرة من عمره مؤلمة غاية الألم .. حيث كان يُرى تائها ً بشعره الأشعث متجولا ً في سوق الخرطوم لا يحدث أحدا .. و كان ذلك في سنوات الستينيات حتى اصيب بعلة نفسية انتقل إلى مستشفى الخرطوم حيث توفاه الله .. وكان ذلك مطلع الثمانينات ..
ثمة علاقة روحية تجمع بين قصائد الشاعر السوداني ادريس جماع وشعب السودان ذلك الذي يعتبره الكثيرون من ابناء شعبة (قيثارة الحزن الابدي ) حيث القصائد التي استعجلت الرحيل في خضم الالم العاصف الذي كان يعيشه إدريس جماع الذي طالما تغنى بحزن عميق دون ان يرى الاحلام الورديه التي كانت تداعب مخيلته او دون ان يرتشف من رحيقها كؤوسا تروي ضمأ عاشق عاش من أجل ان يموت -